الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

خلاف العلماء.. والجدل

كان والدي رحمة الله عليه أزهريّاً مستنيراً، مُحبّاً لله ورسوله، ويحفظ القران الكريم بقراءاته العشر، وكان بيتنا دائماً مزاراً للعلماء وحفظة القران من أصدقاء والدي.

من هنا كان حبِّي وتقديري للعلماء وللأزهر الشريف، وكنت أجلس بعيداً والعلماء يتناقشون ويختلفون ويرتلون القرآن بكل قراءاته، وكثيراً ما سمعتهم يقرؤون القرآن بأصوات جميلة أداء وترتيلاً.

لهذا أحزن كثيراً وأنا أشاهد العلماء الآن وهم يختلفون، وكثيراً ما هبطت لغة الحوار بينهم في قضايا دينية ثابتة لا تحتمل الجدل والخلاف، وقليلاً ما تسمع رأياً حكيماً يفصل بينهم.


في الفترة الأخيرة ثار جدل واسع حول قضية إصلاح الخطاب الديني، ورغم أننا أمام قضية عادلة إلا أن أصواتاً كثيرة تدخلت فيها وأفسدت المشهد، ووجدنا من اتَّخذ منها وسيلة لتشويه ثوابت لا ينبغي أن نختلف عليها.


وكلما تابعت هذا الصراع، تذكرت صور الحوار الراقي في زمان مضى بين أصدقاء والدي، وبعد ذلك حين عرفت الإمام الشعراوي والغزالي وخالد محمد خالد وعبدالحليم محمود وأحمد الطيب وطنطاوي، حيث اجتمع العلم مع الإيمان، مع الصلاح، وترفع الحوار، ورقي الكلمة.

وبعد أن تقدمت بي سنوات العمر، ونظرت للأمور من بعيد أدركت أهمية التربية في حياة الإنسان، والمناخ الذي يشكل فكره ويقينه وثوابته، وأن العصر الذي نعيش فيه قد شوه أشياء كثيرة، ومنها لغة الحوار بين العلماء، وهم الكوكبة التي تضيء للعقول طريقها.

وفي الأيام الماضية دار سجال طويل شوه الكثير من الأفكار والمواقف، ووضع البعض في مواقف لا يحسد عليها من التجاوز وسوء التقدير، ولم يستحضر قول الله تعالى: «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (سورة: الأحزاب ـ الآية: 21) أتمنى أن أرى ـ في يوم من الأيام ـ بين علمائنا، حواراً مترفعاً حكيماً، يحفظ للدين قدسيته، وللكلمة صدقها وللحوار كرامته، ذلك لأن الأديان أقدس ما في حياة البشر، ولهذا ينبغي أن نحافظ على مكانتها في القلوب والعقول والضمائر.

العالمُ ليس مجرد ناقل للشعائر أو طقوس الصلاة أو الحج والزكاة.. إنه ضمير حي يسير على الأرض، يوجه الناس، ويرشدهم ويأخذ بأيديهم نحو الهدى والإيمان، ولهذا ينبغي أن يبقى القدوة سلوكاً وحواراً واستقامة..

الغريب أن البعض وجد في هذه الخلافات فرصة للهجوم على هؤلاء العلماء، وتشويه صورهم بين الناس، بل إن البعض هاجم الدين وثوابته، وشكك في كل شيء فيه.. ولا شك أن القضية تتطلب الوعي والحكمة من الجميع، فقد تجاوزت كل حدود الجدل والاختلاف.