الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«المريض بالحب»

سابقاً، جرى الإعتقاد بأن مرضى السل عاطفيون، وإن هذا النوع من المرض الذي يثقب الرئة ويجعلها تطلق صفيراً داخلياً، يصيب أولئك الذين أتلفهم الحب. وبمعنى آخر، يشار إليهم على أنهم العشاق الذين استهلكتهم العواطف حتى أعمق نقطة من مجساتهم الشعورية.

ففي رواية إيفان تورغينيف «الآباء والبنون في العشية» يلقى بطله أنساررف حتفه بمرض السل بعد أن اكتشف أنه لا سبيل للعودة إلى وطنه بلغاريا، فيصيبه الحنين المهلك والهبوط النفسي الذي يجلب إليه المرض.

وفي الخمسينات من القرن الماضي مثلاً، كان الكثير من الأطباء يعزون بعض الأمراض الخطيرة إلى المعاناة من كبت العواطف المتراكمة، لإشارة بالغة في الرقة إلى احتراق الإنسان من داخله عندما يفشل في التعبير عن مشاعر ما مكثت في نفسه طويلاً.

في استعارة الحب عن المرض؛ يظهر هذا النوع من العشاق الذي يمكننا تسميتهم «بالعشاق المتمارضين» وهم من سلالة أولئك الذين كانوا يموتون عشقاً بالمعنى الدقيق للكلمة. فما إن يستشعر أحدهم بفقدان الآخر حتى تتداعى صحته إلى الحد الذي يغيب فيه عن الوعي، أوتظهر لديه أعراض وهمية تشير إلى علة جسدية غير موجودة في الواقع.

تقول صديقة لي: «إن المستشفى الذي تعمل فيه، تستقبل يومياً حالات من العشاق الذين يعانون من انهيارات عصبية من أجل إنذار الحبيب بالخطر في ممارسة واضحة لاستدرار التعاطف!»، بالرغم من أن هذا التمارض غالباً ما يسبب للإنسان مرضاً حقيقياً يستحيل معه الشفاء، فضلاً عن أن الكثير من حالات الكبت العاطفي تؤدي في مجملها إلى أمراض نفسية غاية في الخطورة.

إن أكثر ما يمرض الإنسان هو إقلاعه عن الأمل وانعدام قدرته على وقف قصة الحب التي تموت أمامه ببطء دون أن يتخذ بشأنها قرارات حاسمة. فما إن يتأمل الإنسان موت قصته، سيموت هو بدلاً عنها في مشهد رومانتيكي ساذج.

في مسرحية «ذا مان أوف مود» للسير جورج إثيريج يقول البطل: عندما يمرض الحب، فإن أفضل شيء نستطيع فعله هو أن نخضعه لموت عنيف؛ لا أستطيع تحمل عذاب العواطف المريرة التي تؤدي إلى الموت". ثمة مصير يقرره الإنسان في لحظة نكوصه العاطفي، يشطب فيها المستقبل بوصفه رحلة تشافٍ من أعراض الحب القاتلة، وهذا المستقبل هو الحب نفسه.