الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

العادي والمرعب في عصرنا

في رواية الألماني فرانز كافكا القصيرة «التحول» أو «المسخ»، (Die Verwandlung)، يستيقظ الشاب (غريغور سامسا) ذات صباح ليكتشف أنه تحول إلى حشرة بشعة هائلة الحجم، الرعب الذي يخلفه هذا التحول في عائلته يتلاشى بشكل غير محسوس بمرور الوقت، وفي النهاية يصبح الأمر الرهيب شيئاً مقبولاً أو أمراً عادياً جديداً.

لعلّ حكاية كافكا وثيقة الصلة بحياتنا التي نعيشها اليوم، في ظل جائحة كوفيد-19 منذ أكثر من عام ونصف، حيث باتت الحياة بقواعدها الجديدة، أي إجراءات التدابير الوقائية اللازمة من ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي والمعقم جزءاً من حياتنا الطبيعية تماماً مثل كثير من الأشياء التي نقوم بها دون التفكير بها حقاً كروتين يومي، والتي تشكل جزءاً من الحياة الطبيعية أو العادية.

لذلك فالوضع الجديد الذي تسبب فيه الفيروس قد لا يبقى جديداً على الإطلاق. مثل الأشخاص في قصة كافكا، سنتعود -لا قدر الله- مع مرور الوقت على التعديلات أو التكيفات الكبيرة في حياتنا لتكون جزءاً من حياتنا، وهذا ما يثير الرعب في نفوسنا. وعلى سبيل المثال، قبل نشوء ظاهرة الإرهاب لم يخضع الركاب لإجراءات التفتيش الأمنية الصارمة التي يخضعون لها اليوم في كافة مطارات العالم، وأصبح ذلك الآن شيئاً مألوفاً ومقبولاً، حتى عند مداخل الفنادق ومراكز التسوق والمرافق العامة بات الفحص الأمني أمراً عادياً وجزءاً من حياتنا العادية.

لنأخذ تلوث الهواء مثلاً، والذي اعتدنا عليه اعتيادنا على جاذبية الأرض وضوء الشمس، أو تغير المناخ الناتج سواءً عن صنع الإنسان أو دونه، إننا بالفعل نشهد «ظواهر مناخية قاسية» مثل ارتفاع درجات الحرارة أو هطول الأمطار الغزيرة ووقوع الفيضانات أو احتراق الغابات، وما إلى ذلك.

ومع مخاطر اندلاع الموجة الثالثة والرابعة للفيروس تزامناً مع عمليات التطعيم الواسعة في الهند وبلدان أخرى، فإن نهاية الفيروس لا تبدو وشيكة ما يثير تساؤلاً خطيراً: أيهما أكثر ترويعاً، الوضع العادي الجديد أم مدى تكيفنا معه على الطريقة الكافكاوية؟

وفيما أنا بصدد قراءة رواية كافكا السوداوية بترجمتها الإنجليزية أنظر لطفلَي في البيت يتابعان الدروس الجامعية عن بعد منذ ما يزيد على سنة، شأنهما في ذلك شأن جميع الطلبة والطالبات في العالم، وهنا يتملكني القلق على نشأتهما في بيئة غير طبيعية، وأقصى ما أتمناه ألا يحرم التلاميذ من فرص النماء في محيطهم الطبيعي، ألا وهو المدرسة أو الجامعة.