الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

قيود الأوهام وباب التعايش

تعد الإنسانية إحدى أهم الخصائص الكبرى لدين الإسلام، ويعد القرآن الكريم إنساني الغاية، مع كونه رباني المقاصد، والإنسانية المقصودة هنا هي الخصائص التي يتصف بها الفرد أو مجموعة الأفراد، في إطار من الوعي الاجتماعي الخيّر الذي ينشد تحقيق الكمال، ومن أبرز سماتها التعايش السلمي بين الناس، رغم اختلاف الدين، وسواها من الاختلافات.

التعايش السالف ذكره، يعني فيما يعني التعارف، والتعارف يعني الاعتراف بخصوصيات المتعارفين، وعدم تذويب هوياتهم الثقافية، والانتباه إلى أن دور الإنسان هو تحقيق الخلافة عن خالق هذا الكون، وأن رسالته تقوم على تعمير الأرض وتحسينها، والانتفاع بما فيها من مزايا، والتعامل الحسن مع ما سخره الله تعالى للناس، وإقامة علاقات طيبة مع البشر في كل أطراف الدنيا.

الكلام المتقدم لا يدرك أبعاده، إلا من حرر الله تعالى عقله من قيود الأوهام، وكشف له طريق الحق والخير، وأنار له دروب الهدى، وفتح بصيرته للفهم عن رب العالمين، وأعطاه نصيباً من الثقافة الحقيقية؛ وأقصد بها مجموعة المعارف الذهنية والعلوم والآداب والفنون المنتشرة بين الناس، كذا العلاقات الروحية والإنسانية والثقافية بين خلق الله تعالى، مع دوام النظر والتفكّر في آيات الله الكونية.

آيات الله الكونية كثيرة، وكلها تدل على أنه ما من شيء في الكون إلا ويدلّ على الله تعالى، وله وظيفة إرشادية، ويدل على بديع صنع الخالق سبحانه، وأن الكون ليس عاديّاً، وأنّ النظر (العادي) إلى الكون مرض من أمراض القلوب، وأن من يمر على مشهد، أو آية من آيات الله وهو مُعرِضٌ عنها، أو يدعي بأنّ المشهدَ اعتيادي، فهو ميت في ثوب حي، من حيثيات كثيرة، من أهمها أنه لم يستشعر عظيمَ نِعَمِ الله عليه.

أختم بأن رسول الإسلام، صلّى الله عليه وسلّم، سيّد المعتبرين في آيات الله تعالى، وأنه لم يعتد شيئاً قطّ، ولم يفقد الدهشة إزاء الخلق والمخلوقات، ومن يتمعن في سيرته يعرف أن حبه صلوات الله عليه ممتد إلى الجبال، والسماء، والأرض، والشجر، والحيوان، والنبات، وكانت تبادله نفس المشاعر، ولا أدل على ذلك من قوله في الحديث المتفق على صحته، عندما أَشْرَف علَى المَدِينَةِ: «هذِه طَابَةُ، وَهذا أُحُدٌ، وَهو جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»؛ وهو خير تأكيد أن الاعتبار في الكون مِن أرقى العبادات، وأن عالم الخلق يحمل لمسةَ الخالق، جل جلاله، وعز شأنه.