الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الخريطة الذهنية ليست الواقع

في كثير من الأحيان نرسم تصوراً ذهنيا عن مفاهيم أو أشياء معينة ونتعامل معها وفقاً لهذه الخريطة الذهنية التي تكون بعيدة عن الواقع، حيث تؤثر هذه الخريطة الذهنية على تصرفاتنا ومسار حياتنا بل ترسم مستقبلنا. إن نجاحاتنا وإخفاقاتنا كلها تتوقف على هذه الخريطة لأنها تتحكم في تصورنا للأشياء وتقودنا إلى الاتجاه الذي رسمته خريطتنا الذهنية سلفاً.
وضع العالم البولندي ألفريد كورزبسكي (1879-1950) هذه النظرية التي مفادها أن الناس يستجيبون لخرائطهم الذهنية وليس للواقع، فمثلاً لو وضعنا تصوراً ذهنياً أنه لا صديق في هذه الأيام، وأن جميع الأصدقاء هم أصحاب مصالح فقط، فهذه خريطتنا وليست بالضرورة هي الواقع، وكذلك إذا كنا مقتنعين بأن الحياة كلها مرة وتعيسة ومليئة بالآلام والأحزان، فهي بعيدة عن الواقع بعد الشمس عن الأرض، وإذا تخيلت في رأسك أنك لا تستطيع أن تحقق هذا الهدف أو تنجز هذا العمل فهذه خريطتك وليست بالواقع.. فإذا بقيتَ على هذه الخريطة فسوف تعيش محبطاً وفاشلاً وخاملاً، وينصح كورزبسكي بأنك إن أردت أن تغير واقعك من الإحباط والفشل والخمول إلى التفاؤل والنشاط والنجاح فعليك بتغيير خريطتك الذهنية.
لذلك من أجل أن تعمر حياتنا بالنجاح والسعادة علينا أن نتأكد من الخرائط التي رسمناها في أذهاننا عن الحياة والسعادة والنجاح، وأن نستبدل السلبية منها بالإيجابية، وكلما كانت خرائطنا أقرب إلى الواقع كانت تصرفاتنا أقرب إلى الواقع وأكثر موضوعية.
وكما أن لرسم الخرائط أثراً واضحاً في حياة الفرد فكذلك لها أثر كبير في العلاقات بين الشعوب والملل والحضارات، ومنها ما تجلّى في تصور الغرب النمطي عن الشرق بأنه بدائي وغرائبي وسحري (Exotic)، ومتخلف وغير ذلك، أو التصور السائد عن الإسلام بأنه دين يُشجع على التطرف والإرهاب وبعيد عن الفضيلة والإنسانية والرحمة والتسامح، أو التصور السائد في كثير من المجتمعات الإسلامية بأن الغرب يروج فقط للمادية البحتة ولا علاقة له بالروحانية وأنه معادٍ للإسلام، أو التصور النمطي عن "الآخر" في كل المجتمعات، فهذه التصورات كلها ناتجة عن رسم الخرائط سلفاً دون الاستناد إلى أدلة، وقد يكون بعضها صحيحاً ولكنه لا ينبني على دراسة متأنية أو تجارب واقعية.
لكن الواقع أن ديننا الإسلامي يحضنا على التبيُن والتحري قبل الوصول إلى القناعة بشيء ما، ويمنعنا من سوء الظن بالآخرين، كما يشجعنا على التفاؤل والإيجابية في كل شيء.