الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اختلاف أهواء لا اختلاف آراء

يحتج أهل الفتنة والفوضى بحديث شريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: «أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سُلطانٍ جائرٍ»، لكن ينسى هؤلاء الفوضويون أن الحديث الشريف حدّد شرطين لتكون هذه الكلمة من أفضل الجهاد، أولهما أن تكون الكلمة كلمة حق، وثانيهما أن يكون السلطان جائراً، ولو لم يتحقق الشرطان فإن الأمر لا يعدو كونه عبثاً وفتنة يسمونها زوراً ثورة!

من الصعب حتى المستحيل في هذا الزمن تحديد كلمة الحق، ومن يملك الحق ومن لا يملكه، فالباطل قد لبس ثوب الحق، وتحطمت البوصلة التي تشير إلى اتجاه الحق ومكانه!

وإذا أصر كل منا أنه على الحق وحده فسوف تكون النتيجة أننا جميعاً على باطل، فلا أحد يملك الحق وحده، وأهل الحق يتعاونون ولا يتصارعون ولا يتقاتلون، فإذا تصارعوا فإنهم على الباطل، ويقول الله تعالى: «.. فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» سورة البقرة (213)، ومعنى ذلك أننا نختلف على الحق لأنه ليس مع فريق بعينه، وأن الهداية إلى الحق المختلف عليه تكون بقوة الإيمان والحوار لا بالصراع والفتنة والفوضى.


الحق أجزاء وذرات وكل منا عنده جزء أو أجزاء من الحق، ونصفه أو بعضه باطل كامل، والهداية إلى الحق تأتي بأن نتحاور معاً ويضع كل منا بعض الحق الذي عنده على طاولة الحوار ونجمع هذا البعض وتلك الأجزاء لنصل إلى الحق كله.


الأمر هنا، لا يتعلق بالسياسة وخلافاتها فقط بل يشمل أيضاً كل مجالات الحياة الأسرية والاجتماعية والمؤسسية، وأي بناء سوف ينهار إذا تجاذبه وتصارع حوله المتصارعون.

ومشكلتنا الكبرى أننا حولنا الحوار نفسه إلى صراع وحوار طرشان، فكل فريق يدخل الحوار على أنه مباراة ملاكمة لا بد أن ينتصر فيها ويهزم الآخرين بالقاضية.

والصواب أن ندخل الحوار ونحن على استعداد لاتباع الحق ولو عند غيرنا، والمشكلة الأخرى هي غياب التجرد وتغليب المصالح والأهداف والأهواء الذاتية على الحق نفسه، لذلك تفشل الحوارات والاجتماعات والمنتديات والمؤتمرات ونخرج منها أكثر إصراراً على الباطل ونردد جملة مستهلكة وسخيفة لا نكف عن ترديدها، هي أن: «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، بينما خلافاتنا تفسد للود ألف قضية، لأن اختلافنا اختلاف أهواء لا اختلاف آراء!