الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

بين اللا شعور واللا مبالاة

تُربكني النظرات المحايدة.. محاجر العين الصلدة التي تجعلك تجزم بأنها قد خُلقت بلا مدامع، أولئك بلا موقف إلى حد مستفز حتى في الحزن والفرح.

تربكني الجُمل المقتضبة التي لا توحي لك ببلاغة لغوية بقدر ما تشي لك باستعلاء قائلها، ولا يمكن أن تقبض على مفاتيح وكنه معانيها في نفسك.

يربكني.. كوني كائناً يحسب نفسه قد قدَّ من كلمة؛ ينهمر كالمطر بلا حذر أمام الأشياء التي يحبها.. لا يعدم الوسيلة للتعبير عن انفعالاته أو مشاعره، ولا يمكن أن يقف محايداً أمام كل ما يؤثر به أو يستثير كينونته!

فكم هو مُربك حينما تكون متدفقاً.. دافئاً إلى حد كبير، وتتعثر بكائنات تستشعر شحها العاطفي والإنساني من على مسافة نظرة.. كلمة واحدة فقط!

تفاوت البشر في مستويات وطرق التعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم وتباينهم في ردود أفعالهم أمر طبيعي، ولكن، ما يدعو إلى القلق أحياناً هو أن يفقد أحدنا المقدرة كلياً عن الشعور، فلا يعود ثمة ما يثير مشاعره أو يغذي إحساسه ويستحث فيه لغته التعبيرية أو تفاعله مع مجمل المؤثرات والأحداث المحيطة به!

أقسى درجات «التبلد العاطفي» التي يمكن أن يصل إليها الإنسان حينما لا يكترث لأوجاع الآخرين ومعاناتهم أو حاجتهم إليه، ألّا يقدّر احترام وسخاء وتعب الآخرين معه، لا يستشعر مكامن أو معاني الجمال والامتنان في كل شيء حوله، قد تكون «اللا مبالاة» وصفة جيدة لتجاوز الكثير من المتاعب والصدامات في الحياة، ولكنها في مقامات أخرى قد تصبح سلوكاً يتنافى مع الطبيعة الإنسانية وفي مواقف كثيرة تحسب كرد فعل سلوكي لا أخلاقي مخجل!

عنّي، كنت أكثر ما أخشاه على نفسي أن تأتي اللحظة التي أقف فيها على الحياد أمام الأشياء والمواضيع التي تعنيني جداً، أو يجحد ناظريّ أو يخفت شغفي بالتفاصيل التي توقظ فيّ دائماً دهشتها الطفولية وتبقيني على حدود إنسانيتي، حتى الأشياء التي أحببتها وأوجعتني كثيراً وأبقيت لها نافذة القلب مواربة خشيت أن أفقدها يوماً! أن يأتي اليوم الذي أفقد فيه لغتي، أو «أدواتي» في التعبير وكأني لا أعرفها أو تعرفني، ولكن، بقي هنالك شيء بداخلي يقاوم لاستبقائها؛ كأنها جذر من أوتاد القلب!