السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

دُبي والاستشراف التشريعي للتَّسوية صلحًا

في أدبيات تسوية المنازعات، الصلح سيد الأحكام، لأنه يبقي للود أثراً، وللعلاقات أمداً، بعيداً عن ساحات القضاء، مما جعله الباب الأول الذي يلجأ إليه الأطراف بحثاً عن الحلول البديلة لتسوية منازعاتهم.

قبل ختام الشهر الماضي وضمن استباقية دبي في تطوير منظومتها المؤسسية في مجالات التسوية الودية للمنازعات، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، القانون رقم «18» لسنة 2021 بشأن تنظيم أعمال الصلح في إمارة دبي، والذي حل محل القانون رقم «16» لسنة 2009 بشأن إنشاء مركز التسوية الودية للمنازعات.

معمارية وجمالية هذا القانون ليس في ثلاثية تعزيز ثقافة التسوية الودّية للمُنازعات عن طريق الصُّلح، والتشجيع على تبني الطُّرق البديلة لحل المنازعات الناشئة بين أطراف المنازعة، والعمل على استمرارية العلاقات بين الأفراد والشركات عن طريق تسوية المنازعات التي تنشأ بينهم بطُرُق ودّية فحسب، بل يمكن لمن يمعن النظر في لبنات القانون التي تشكلها (41) مادة، رصد 3 وقفات تعكس توجهات استشرافية برؤية ريادية لمستقبل التسوية الودية في إمارة دبي.

الوقفة الأولى، تبني مفهوم «المصلح» و«المصالحة» و«اتفاقية الصلح» لتحقيق الأهداف المنشودة من العدالة التشاركية بين الأطراف عبر طرف ثالث محايد وموضوعي يمتلك مهارات ربان السفينة الحاذق الذي يعلم كيفية الوصول برضائية الأطراف إلى ميناء «المصالحة» بعيداً عن ساحات «التقاضي».

أما الوقفة الثانية، فهي الاستباقية التشريعية للشراكة مع القطاع الخاص عبر الترخيص لكل من «المصلح الخاص» و«المؤسسات المرخص لها بالمصالحة» بموجب «تصريح» يصدره مركز التسوية الودية للمنازعات. وبهذا يماهي القانون أفضل ممارسات العدالة الاتفاقية المتعددة الأبواب القائمة على تكاملية المؤسسات العدلية والقطاع الخاص لتحقيق الغايات التشريعية للعدالة الخلاقة.

الوقفة الثالثة، هي أنه لا يمكن النظر إلى هذا القانون بمعزل عن استباقية تنظيمية أخرى للتحكيم في دبي وفي ذات الشهر، وهي صدور المرسوم رقم (34) لسنة 2021 بشأن مركز دبي للتحكيم الدولي، بهدف تعزيز مكانة دبي كوجهة دولية ريادية للتحكيم الدولي وفق منظومة مؤسسية رائدة تتعامل مع احتياجات وتوقعات أطراف المنازعات. وبهذا يتكامل جناحا العدالة «الاتفاقية» و«التحكيمية» في إمارة دبي.

كل التقدير لكل من ساهم في هذا التشريع الاستشرافي الذي بلا شك سوف يحقق قيمة مضافة لفاعلية وكفاءة منظومة متكاملة لتسوية المنازعات صلحاً في إمارة دبي.