الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

عريكة بالبشاميل!

مزاجي في الطعام صعب، محافظ؛ يقبل «الخلط» بحدود وحذر، فمن المستحيلات أن تهفو نفسي على طبق «الباقيّة» الإسبانيولي الشهير، الذي تعدت شهرته ألفية الإمام ابن مالك ولامية الشنفري، طبق «الباقيّة»، ربما اخترعه وأسماه الموريسكيون، أو ما يعرف بالمسلمين الإسبان الذين بقوا في إسبانيا تحت سلطة المسيحيين بعد سقوط مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين لسد جوعهم بوليمة، قد تتغير مكوناتها بحسب بواقي طعامهم وبما يجود به المحسنون.

«الباقيّة»، عبارة عن بواقي صنوف للطعام يتم تجميعها في طبق واحد مضافاً إلى الأرز، وبالرغم من محاولات بعض الصديقات إغرائي بتجريبه، وتقريبه لثقافتنا الخليجية بتصنيفه بالكبسة الإسبانيولية، إلا أن تحفظي على المسمى قبل المكونات كان كافياً لموقفي!

أما بالنسبة للصلصات الأكثر شيوعاً في الوطن العربي، فلم أشك للحظة واحدة بأن تكون صلصة «البشاميل» الشهيرة هي اختراع فرعوني، ولم تغز المطبخ المصري عن طريق حملة نابليون بونابرت على مصر والشام عام (1798- 1801)، وأن بونابرت غزا القاهرة تحديداً بالصلصة البيضاء وليس بالمدافع الفرنسية!

فأحبتنا المصريون، اليوم، تكاد لا تخلو وصفة من وصفاتهم من البشاميل، وتزيد عليها الجبنة كاملة الدسم والقشطة، ولولا اعتزازهم بـطبق «الملوخية» الأشهر، وحفاظاً منهم على جذرها الملكي، لربما لقحوا وصفتها بالبشاميل!

أما نحن الخليجيون، فأخبار مبدعاتنا «الشيفات» ووصفاتهن المبتكرة، اليوم في منصات التواصل الاجتماعي، فحدّث ولا حرج، فالبشاميل، والمايونيز، وأرطال الزبدة، والأجبان الدسمة قد تجدها مجتمعة بلا حذر ولا قدر في وصفة واحدة وكأنها قاعدة أساسية في جميع أطباقهن المبتكرة، فمن أواخر «اختراعاتهن» صينية أرز بالقشطة والجبنة والبشاميل؛ أفغرت فاهي، ووضعت يدي على قلبي متشهدة، وأجزمت بأننا شعوب سننفق يوماً «أكلاً» جرّاء «ثورة الأطباق» الجديدة!

وبما أننا مقبلون على فصل الشتاء، فـ«العريكة» أو «العصيدة» الحجازية ستتصدر الموائد الافتراضية باكراً، فالخليجيون لا يحتملون برد شتائهم القصير القارس ولا بواكيره، وحتى يتدفؤوا ذاتياً بلا جمرة ولا فروة، اخترعوا وصفات عريكة بالقشطة والعسل وعريكة بالكراميل والدبس، وكأن أرطال تمر الخلاص والسكري الممروس بدقيق البُّر و«بئر السمن» المغروز في جوف صفرية العريكة التي تسد مناسم القلب وتسدح جبلاً؛ لا تكفيهم ولا تُدّفئ عظامهم!