الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

فالنسيا.. التي كانت بلنسية

هذه هي أول زيارة لي لمدينة «فالنسيا» ثالث أهم مدينة بعد مدريد وبرشلونة في مملكة إسبانيا، هي مدينة مهمة وجميلة، لها ميزات جغرافية وطبيعية مميزة، تشتهر بالزراعة كما تشتهر بالحرير، فقد كانت إحدى أهم مدن أوروبا لغزل الحرير وبيع أقمشته وأزيائه المميزة.

هي أيضاً، تتميز بمهرجان جميل وشهير هو مهرجان «فاياس للدمى العملاقة»، الذي يصادف 19 مارس كل عام ويستمر لأربعة أيام، تصنع فيه 300 دمية بحجم عملاق لعرائس وفتيات بالزي التقليدي، ولبعض رموز الفن والسياسة، ومثلها 300 أخرى للأطفال، يطاف بهذه الدمى على أهم الميادين مع الموسيقى والغناء، ثم تحرق جميعها في طقس احتفالي بهيج.

خوسيه صديقي الفلانسي تعرفت عليه منذ سنوات، محب للثقافة العربية وللعبة الدّامة، خوسيه زارنا في الإمارات لحضور مهرجان أيام الشارقة التراثية أكثر من مرة، كما التقيت به في الدوحة في مهرجان المحامل، وكذلك في مجلس الدّامة في سوق واقف الشعبي بدولة قطر.


خوسيه كان خير مرشد سياحي لنا في فالنسيا، فقد أخذني أنا مع أصدقائي في جولة مكثفة لرؤية معالم المدينة، وشرح لنا باستفاضة تاريخها، وأخذنا إلى الأراضي الزراعية بمحاذاة المدينة، وشرح لنا نظام الري، الذي يعتمد على السواقي التي ابتكرها العرب إبان حكمهم للمدينة في ذلك الماضي الأندلسي العظيم، كل تلك الجولات الاستكشافية كانت على مدى يومين فقط.


قبل نهاية زيارتنا لمدينة فالنسيا طلب مضيفنا السيد خوسيه أن يدعونا إلى وليمة فالنسية تقليدية، هي وليمة طبق الباييا أو كما يسميها العرب (البقايا) فقبلنا دعوته، فقال إنها في منطقة تتبع فالنسيا في منطقة زراعية تسمى (برّاكه)، وهو مطعم ضمن مزرعة صغيرة لصديق له، يسمى توني مونتوليو، الذي يقدم أجود طبق للباييا بالدجاج مع بعض الأطباق الجانبية لليقطين، والأسماك النهرية والخضراوات الطازجة، كما أن السيد توني صاحب المطعم لا يتعامل مع لحم الخنزير، وهذا ما يناسبنا كمسلمين، ذهبنا إلى (برّاكه) و أكلنا بالفعل أجود طبق باييا على الإطلاق.

الشاهد أن فالنسيا أو (بلنسية) فتحها العرب عام 714 للميلاد، ويرجع الفضل إليهم في ازدهار سهولها، حيث شقوا على جانبي نهرها 31 ساقية، وأجروا منه المياه لري أراضيها، والتي تعمل إلى يومنا هذا!

ودّعنا مدينة فالنسيا بعد أن طبعت في ذاكرتنا أجمل الذكريات برفقة أجمل الأصدقاء، في ثالث مدائن الأندلس في الترتيب بحسب عدد سكانها الذي تجاوز وقتها ربع مليون نسمة تحت الحكم العربي.