الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اليوبيل.. الحكمة وتحطيم المستحيل

كلما كانت الحكمة مصقولة وأجود وأعظم وأعلى، كانت مخرجاتها أقوى حتماً، ومتعتها باهظة، فهل كان هدف الإمارات الأساسي منذ إعلان اتحادها في ديسمبر 1971 من القرن الماضي، أن يعيش الناس فيها حياة رغيدة من البهجة والانشراح، من الفرح والسعادة والعلم والانفتاح، حتى يتمكن الإنسان من السلام؟

وقد سعيت إلى استجماع ذراتي للإجابة مع اقتراب اليوبيل الذهبي للإمارات، فأطلت ذكرياتي منذ ثلاثة عقود، وهي صنيعة المودة الخالدة، أحسست بالدفء، فهناك وقائع وأحداث ولحظات نعيشها، تكتبنا قبل أن نفكر في كتابتها، فتظهر كلما حاولنا التستر عليها، مهما استنجدنا بحيل اللغة، بصدق أعمق تتسلل عبر الكنايات والاستعارات وتظهر.

فلم يعد أمام الفجر من خيار، أو من حقيقة أخرى، غير الارتماء في أحضان ألفتها الخالدة، للاحتماء بها من ثقل المسافة وفداحة البرودة القاسية، وقد طوحت بنا بعيداً عبر المحيط، حيث صوتي لم يعد صوتي، بل شرياناً من دمي، أكلم به نفسي فيخدش صمتي لتطلع منه كتل حنين، لو قشرتها لوجدتها إنسانيتي العالقة في بلاد الحكمة تلك.


هكذا رأيت الأشياء هناك وعشناها منذ وصولنا إليها في ريعان الشباب، مبكراً وقد لف القدر لفاته بإتقان على رأسي، متدثراً أمطار الشتاء التي استقبلتني فرحة، بالحيلولة دون إلغاء نشاط الحكمة ولا تضعيفها بل تنشيطها بشكل موصول، فإنها أشرف فعاليات العقل والتي يقوم على نشاطها أبرز مصالح البشر في الإمارات وامتداد خيرها.


إيجاد التوازن بين قوتي العقل المتمثلة في الحكمة، والروح المتمثلة في الشجاعة والمبادرة والجرأة، كانت حقيقة مذهلة عشنا في تفاصيلها، بالمشاعر العميقة في أرض الحب، التي جسدت قوة الجذب المطلقة لجميع البشر، فالإمارات وطن يمتد إلى أعماق الأمم، هي حالة نادرة، من التفرد والسكينة، فهل يمتد إكسير اليوبيل في تحدي المستحيل؟

بلى ما نراه من المفارقة ليست في الغربة والغريب، بل في الألفة والمألوف، تلك هي المسألة، رأيت كل شيء ينمو ويعلو في تلك المدن ذات الأبراج النورانية، ولست وحدي أشعر بكوني من عشاق الفجر الملفوف بالعطر هناك، والرفعة الممزوجة بالمطر في صحراء تحولت إلى أفضل واحات العصر.

تلك البلاد كالندى دافئة، تنزل في غنج، وعلى عكس عادات الندى ثابتة، في نشوة روحية يثمل الجميع بلمسها، وتنشر الحب للناس وكل نجاحاتها تتنزل في سلام وتذوب في التسامح، وتحطم المستحيل وتمتلك ركن الفضاء، ويبقى السؤال هل بين الثروة والحكمة ميزان ودليل للآخرين بعد خمسين؟