الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

في الإمارات.. نمشي مرفوعي الرأس

أتذكر جيداً تلك الكلمات التي سمعتها من إحدى صديقاتي، عندما قرّرت الاستقرار في دولة الإمارات، وظننت أنها تبالغ وقتئذ في وصفها، بعد أن قالت: «هنا بلد الأمان، والقانون فوق الجميع، حتى إن كنتِ امرأة بمفردك، فلن تواجهي أي مشكلات

استغربت كثيراً مما قالته، هل فعلاً يوجد بلد عربي آمن؟ وهل فعلاً هنا قادرون على تحقيق تلك المعادلة الصّعبة، التي لم تنجح دول أوروبا وأمريكا في تحقيقها؟ وما مقياس هذا الأمان وكيف يقدرونه؟!

ثم انطلقت رحلتي في دولة الإمارات، وبدأت ألمح أموراً يشعر بها أي شخص عاش حياته في دولة عربية وانتقل إلى هنا فجأة. فمبدئياً، الناس هنا يمشون برؤوس مرفوعة وظهور مستقيمة وبتأنٍ، فلا ينكمشون في مشيتهم ويسرعون خوفاً من سارق متسلل، أو متحرش متهور، أو حتى متسول يمد يده ليحرجك أو يضعك في مأزق التساؤلات، هل هو فقير أم يتظاهر بذلك؟

وجدت الناس يسحبون أموالهم من الصّراف الآلي، من دون أن يلتفتوا يميناً ويساراً خوفاً ممن سيهجم عليهم. والكل هنا يحمل هاتفه الذكي في يده بأريحية، من دون خوف من شخص قد يسرقه في لحظة غفلة. كما أن النساء هنا يتجولن بأزيائهن الأنيقة، وحتى حقائبهن وساعاتهن ومجوهراتهن بكل أمان، ولا يضطررن إلى تقمص دور «العسكري المتجهم» خوفاً من كلمات أو نظرات التحرش والمضايقات، والتي قد تحول المرأة إلى كائن بئيس، يركض في الشوارع ليصل إلى مقصده بسرعة، وبأقل نسبة مضايقة ممكنة.

وبعد سبع سنوات من الاستقرار في الإمارات، أكاد أجزم أني لم أصادف أي عِراك بين شخصين أو أكثر، في أي ظرف من الظروف، وهذا ما وضعني في حيرة حقيقية! فنحن في بلادنا قد تقوم معركة على أتفه الأسباب، وقد تتحول إلى مضاربات دموية، فقط لأن شخصاً نظر للآخر بطريقة لم تعجبه، أو حتى تعداه في الشارع بسيارته؟ وحتى في أوروبا وأمريكا شهدت أكثر من مرة على عراك قد يتطور بشكل خطر، أو حتى سرقات في وضح النهار لا يقدر على إيقافها أحد.

فلماذا أشعر بأن سكان الإمارات أشخاص لُطفاء جداً، حتى إنك- نادراً- ما تسمع زمور السيارة، وعن نفسي عندما أسمعه أشعر بأن هناك خطراً قادماً، على العكس تماماً في باقي الدول العربية، فهو بمثابة موسيقى الشوارع التي لا تنتهي!

ومع مرور الوقت تأكّدت أنني اخترت مكاناً مناسباً جداً للاستقرار، يكفي أني أنسى مفاتيح شقتي في ثقب الباب وأعود لأجدها تنتظرني بكل أمان وتسامحني على تهوري المستمر، وأنسى هاتفي في أماكن كثيرة وأعود فأجده ينتظرني عند العاملين في المكان، وكمبيوتري المحمول الذي يظل في السيارة باستمرار ولا يتجرأ أحدٌ على سرقته، بالإضافة إلى الطلبيات التي تصل للبيت ونجدها تنتظرنا على عتبة الباب من دون أن يتجرأ أحدٌ على أخذها، وأضف إلى ذلك أشياء كثيرة لن يفهمها إلا من عاش خارج دولة الإمارات وعاد ليستقر هنا..

أسئلة كثيرة تتبادر إلى ذهني كل يوم ولا أجد لها أجوبة، هل تطبيق القانون بشكل صارم هو السبب في تحلي هذا البلد بالأمن والراحة النفسية؟ أم يا ترى طيبة الشعب وتسامحهم وروحهم المضيافة أثرت- حتى- على الوافدين، فأصبحوا يشبهونهم في التعامل وتطبيق القانون؟