الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الإدمان الرقمي.. لا هروب منه!

أحدثت الانقطاعات الأخيرة لخدمات الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي، إرباكات واستغرابات وتساؤلات كثيرة، فقد اكتشف البعض أنّ العالم بأسره أصبح معتمداً ومدمناً على معطيات العالم الرقمي وأنماط عيشه، ولا يستطيع الفكاك منه، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول، لكن، لماذا الاستغراب من وصولنا إلى هذه الدرجة من الاعتمادية شبه المطلقة على ذلك؟

قيل سابقاً، إنّ كثيراً من الأشياء قد تتوقف في الحياة البشرية، إلا العلم والتطور، فهما في سيرورة مستمرة، ولم يحصل أن توقفا، وبالتالي فإنّ دخولنا العالم الرقمي بهذه الكيفية من حيث الاعتماد والبرمجة لم يكن خيارنا، بل كان نتيجة حتمية للتطور البشري، فمن عصر الحجر والزراعة والحديد والبرونز إلى عصر الآلة والتكنولوجيا، لننتهي إلى العصر الرقمي وما بعد الرقمي لاحقاً، فالأمر ليس موجة أو موضة أو عارضاً، بل واقعاً مستحقاً، أفرزته المسيرة البشرية في تطورها وإبداعاتها وتجلياتها العقلية والزمانية والمكانية.

اليوم، يُطالب البعض بمزيد من الخدمات الرقمية تسهيلاً للحياة واختصاراً للوقت والجهد، والأمر ذاهب حقيقة في هذا الاتجاه: اقتصاد وتعليم وتعامل وتسوق رقمي، وخدمات وعملة وحكومات وحرب رقمية.. إلخ، وسواء اعترفنا بذلك أو اعترضنا على بعض نتائجه -وهذا من حقنا- إلا أنّه يبدو متسارعاً وحتمياً، فلا شك أنّ هناك أثماناً وضرائب كثيرة سندفعها مقابل ذلك، وتلك قضية خلافية ونسبية في جانب منها؛ حيث يقع جزء من مسؤولية هذا على الأفراد الجماعات والمجتمعات، وكيفية تعاملهم معها وتسخيرهم لها في حياتهم.


الفرد الآن مثلاً، قد لا يتحمل العيش من غير هاتفه الذكي والخدمات الإلكترونية الأخرى، فلو نسي أي شيء في بيته أو عمله أو سيارته، قد لا يعود إلى إحضاره مباشرة، لكن إن كان المنسي هاتفه الذكي، فلن يقدر أن يمارس حياته ربما من دونه، وسيعود فوراً لإحضاره، هذه فقط إشارة بسيطة للدلالة على أنّنا أصبحنا مبرمجين تماماً في العصر الرقمي.


نعم، نحن اليوم رقميون، وسنصبح ما بعد رقميين، ولك أن تتخيل كيف سيكون الأمر بعد عشرين أو خمسين سنة من الآن، فقد لا نستطيع يومها العيش خارج العالم الرقمي وتطوراته المذهلة غير المتوقفة، خاصة بعد أن تبرمجنا على ذلك وربطنا مسارات ونشاطات حياتنا به.