الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

العصيان اللغوي المسرحي

ثلاثة خيارات تتوافر لدى المسرحي العربي اليوم في المجال اللغوي، لكنها في الوقت نفسه، ثلاث صعوبات.

إما استعمال اللغة العربية الفصحى، وهي الوفاقية في العالم العربي كله، وهو أمر وارد، يسهل مهمة المسرحي من حيث الوصول إلى المساحة العربية، كما فعل ويفعل الكثير من المسرحيين الذين جابت أعمالهم العالم، وكانت اللغة عاملاً مهماً في منحهم الجوائز. ولكن السلبية الوحيدة في خيار كهذا، هي أنه يحتاج إلى عمل حقيقي على اللغة للتخفيف من ثقل عباراتها الجاهزة، لتمنح المتلقي متعة الفهم والراحة اللغوية، وإلا ستبدو اللغة المسرحية مصطنعة تؤدي عكس وظيفتها الداخلية الفعلية ـ أي التواصل والاستمتاع.

أما الخيار الثاني فهو استعمال العاميات العربية، ومركز قوتها يتلخص في التجذر والوصول إلى الجمهور المقصود بسهولة، ولكنه يكشف عن الهيمنات اللغوية العربية، في ظل التراتبية اللغوية في اللهجات، فما هو متاح لإحداها غير متوافر لغيرها، فاللهجتان المصرية والسورية، وإلى حد ما اللبنانية، لها مجالات انتشار واسع عربياً.


فاللهجات المصرية والشامية، مرت عبر المسلسلات فتوغلت في النسيج اللغوي العربي مشرقاً ومغرباً، واللهجة السورية تحديداً أحدثت انقلاباً في الهيمنة المصرية لغوياً، فتمددت عن طريق دبلجة المسلسلات التركية التي غزت السوق العربية لدرجة أن أصبح الكثيرون يتكلمونها بسهولة، ولتفادي هذه الهيمنة، قام بعض المنتجين المغاربيين بدبلجة المسلسلات التركية العربية بلغاتهم الشعبية، كما حدث في المغرب، لكن الأمر ظل محصوراً في منطقة بعينها، وظلت غالبية المتلقين يستهلكون باللهجة السورية والمصرية، ويمكننا أن نقول عنهما اليوم إنهما لغتا الدراما العربية بامتياز.


وهناك مخرج ثالث لا يقل اصطناعية وجهداً عما سبق، هو البحث في العمل على اللهجات العامية وتقريبها لغوياً من اللغة العربية من أجل التوصيل، والبحث عن اللغة الوسطى التي يفهمها الإنسان العام والمثقف. وبذلك يمكن تعميق المحلي في الوجدان الجمعي.

وهذه المهمة اللغوية المزدوجة الفصحى/العامية تتطلب خبرة مسرحية كبيرة ووعياً لغوياً ليس متوافراً اليوم عند كل المسرحيين العرب.

ومن هنا تصبح لغة المسرح قضية حقيقية تثير جدلاً حقيقياً في الأوساط الثقافية والمسرحية العربية.