الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

جريمة مبخوت

لدي يقين أن عالم السوشيال ميديا تتكون فيه حملات الهجوم على بعض الأشخاص «الذين لا يستحقون هذا الهجوم» بطريقة دراماتيكة غير مبررة أحياناً، بل أقرب ما تكون إلى التوحد مع من يبدؤون هذا الهجوم، يكفي أن يغرد أحدهم: «مبخوت لم يحترمنا ولم يحترم شعار المنتخب حينما قال إنها مجرد كرة»، وبعد دقائق عدة يتوحد الآلاف مع هذا الهجوم، يفعلون ذلك ليس لضعف في شخصيتهم، أو لافتقاد للرأي الصائب، بل هي حالة تحدث إما بهدف «امتطاء الترند»، أو تعبيراً عن مشاعر طبيعية تتعلق بأجواء الغضب والشعور بالإحباط بعد هزيمة كروية مثل تلك التي تعرض لها منتخب الإمارات أمام نظيره القطري في كأس العرب.

هل ارتكب مبخوت جريمة حينما قال «إنها مجرد كرة»؟ بالطبع لا، نعم هي مجرد كرة، وهذه الإجابة تحمل أعلى درجات الذكاء في السياق الذي أقيمت فيه المباراة، فهو لا يريد أن يمنح الفرصة لأي أحد لرؤية نفسه وقد حقق انتصاراً يتجاوز «لعبة»، كما أنها رسالة أخلاقية تؤكد أن كرة القدم ليست معركة.

مبخوت خاض الشوط الثاني من المباراة، والذي انتهى 0-0 بين المنتخبين، أي إن منتخب الإمارات لم يستقبل أي هدف في الشوط الذي شارك فيه، بل إنه أنقذ هدفاً محققاً على الرغم من أنه مهاجم وليس مدافع، وهو الذي نجح في تشكيل خطورة حقيقية على المرمى القطري، وأعاد للأبيض بعضاً من حضوره في الملعب.

فلماذا هذا الهجوم الحاد عليه؟ هل جريمته أنه الهداف التاريخي للكرة الإماراتية؟ أم أنه وجهها الأكثر قرباً للكرة العالمية؟ حيث لم يكن هناك لاعب إماراتي يملك هذه المواصفات البدنية والذهنية والتهديفية التي تؤهله للعب في أوروبا مثل علي مبخوت، إلا أن الفرصة لم تُتح له، مبخوت «كما أراه» هو اللاعب الأفضل في تاريخ الإمارات «رقمياً على الأقل»، هو هداف أمم آسيا، وهداف كأس الخليج، وأيقونة جيل الأمل الذي صعد بالكرة الإماراتية للمرة الأولى إلى الدورات الأولمبية.

وعلى المستوى الداخلي، هو اللاعب الأكثر مقدرة على منافسة الوجوه الأجنبية، بل تفوق على المحترفين الأجانب خلال السنوات العشر الأخيرة، وهو في هذه الحالة يحمل تأثيراً رمزياً يتجاوز حدود كرة القدم؛ حيث يثبت أن العنصر الأجنبي في بعض القطاعات في الإمارات يظل مطلوباً، ولكن المواطن الموهوب صاحب القدرات يتفوق على نظيره الأجنبي.

حينما يتعلق الأمر بمنتخب يمثل الوطن، فالجميع يحق لهم إبداء الآراء، بل توجيه الانتقادات، خاصة إذا كان الأداء سيئاً، والنتيجة لا تتناسب مع صورة الإمارات البراقة في المجالات كافة، ولكن على هؤلاء أيضاً أن يتذكروا جيداً أن الإمارات أكبر من كرة القدم، والوطن أكبر من أن نراه في شعار منتخب، فقد سقطت البرازيل بالسبعة على يد الألمان، وتجرع الألمان أنفسهم الهزيمة بسداسية على يد الإسبان، وخماسية أمام الإنجليز، فهل تسبب ذلك في اهتزاز صورة ألمانيا العظيمة!