الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

خفايا (كابينة) سيارتك!

ساعة تكون وحدك، تلك هي اللحظات الأخطر في مسارك العمري، حيث تطفو روحك الحقيقية، وتخرج نفسك كل خباياها وأسرارها دون مواربات أو مواءمات، وتعلن للصمت وللجمادات من حولك أنك هنا، حاضر بكل غرائزك ورغباتك وأفكارك غير المرتبة وشهواتك المحرمة، فتتكلم وتصرح وتفعل تحت مرأى ومسمع جمادات لن تلومك ولن تشي بك يوماً، ولن تخبر الناس عما سمعت ورأت!

هكذا يتحمل صالون سيارتك الكثير، ويحمل من الأسرار والخفايا والألغاز ما تشيب له الرؤوس، ويسمع من العبارات المفاجئة، والحوارات الصادمة، والمفارقات ما قد يعتبره كل من يتعاملون معك معجزات وخوارق لا تصدق، وأساطير كاذبة لا تليق وجمال صورتك في أذهانهم.

أنت داخل صالون سيارتك أسطورة تجوب سماءات خيالك الأسود الذي تعجز عن تحقيقه في الواقع.

صالون سيارتك يحفظ الأسرار يستر، لا يشي، لا يبيعك في سوق الفضائح ومجالس النميمة

ثمة حقائق مرعبة داخل صالون سيارتك تظهرها محادثاتك التليفونية المحرمة، أو على الأقل تلك التي قد تجر عليك اللوم إن قمت بها أمام الناس.

قال بعض الفلاسفة المتصوفين إنك: «إذا أردت معرفة نفسك حقاً فعليك بمراقبتها في الخلوة، ماذا تقترف وفيمَ تفكر، وماذا تضمر من نوايا».

إن ذاتك الحقيقية هي جملة ما تقول وتفعل وتفكر وأنت وحدك بين سواتر جدران بيتك، أو تحت ظلمات السكون حين ينام الناس وأنت يقظ بفعل حرارة دمائك المتعطشة، وعزائم التي لا تلين لتنفيذ خطتك الظلامية.

صالون سيارتك يحفظ الأسرار يستر، لا يشي، لا يبيعك في سوق الفضائح ومجالس النميمة، ويضم أيضاً ضمن ما يضم، بكاءك وندمك ومحطات الراديو التي ترتقي بروحك وتنقي سريرتك وتشعرك بأنك لا تزال بخير، وقادر على إدارة حياتك، وجعل ظاهرها كباطنها.

صالون سيارتك لا يُبدي تعجباً حين يراك تداهن وتغير الحقائق من أجل بعض المكاسب، ولا ينطق ليرميك بالنفاق حين تقول عكس كلامك في مكالمة أخرى، فقط يخزّن الخفايا ويحفظ الأسرار كأي جماد من حولنا يشهد على أفعال البشر

كن إنساناً، وارتقِ بشفافيتك وحقيقة روحك، واستعلن أمام الناس بنفس الصورة التي تضمر، واجعل ظاهرك كباطنك، يليق بأن يحظى بشرف وعز نظرة من الله.