إحياء المناسبات الدينيَّة في ظلِّ التزامات الحياة تعمِّق الوعي الجمعي وتفعِّل القِيم في النفوس، كما تمثل أساساً في التثقيف، لتحافظ على الهويَّة؛ لأنها تعيد صياغة التصورات الصحيحة عن الدين، وتغيير القناعات البالية، وتفنيد المفاهيم الخاطئة.
لا غرو أن الإسراء والمعراج هي تجربة نورانية مستمرة، ينبغي تعاطينا معها بألا تكون عابرة، أو اعتبارها جزءاً من الماضي أو من التاريخ الذي انتهى، ولا سيما المولد النبوي والهجرة النبوية، وغيرها من المناسبات الدينية، لا بد من أن نَعدُّها جزءاً من الحاضر الممتد، بل والمستقبل الذي سوف يتشكل ويتبلور.
إن رحلة الإسراء والمعراج يمكن أن تضيء للعقل المسلم آفاقاً جديدة من الوعي والفهم والتبصُّر، إن هذه المعجزة الفريدة تحمل الكثير من الدروس المستفادة، ولكن تفعيلها والنهل من إرثها، هو الذي يعمق أثرها في النفوس، والنفاذ بسهولة إلى مختلف الأزمان والأجيال.
الرؤية الحضارية ليوم الإسراء والمعراج لا يخلو من حكمة عظيمة، وعلاقة أمة خاتم الرسل بالأمم الأخرى، حيث اجتماع الرسل بالنبي- صلى الله عليه وسلم- وصلاته بهم إماماً، وقيادته للأنبياء في هذه الحادثة، يراد منها أن تسعى أمته الخاتمة بأن تجمع الأديان على المبادئ الإسلامية السمحة، يكمل مكارمها، ويقوِّم من تعاليمها، ويرد للدين فطرته، وللإنسانية كرامتها، وتعزيز المشتركات الإنسانية، وتفعيل قيم التعايش والتسامح والسلام، التي أتت من أجلها الأديان السماوية.
النهوض بحضارة تقوم على القيم والمَبادئ، ليسطر معناها وفحواها هدي الوحي بكل كماله وسموه.
الحضارة الإنسانية الرشيدة وقواعدها الربانية المرضية، تدعونا لقيمةِ الاصطفاف حول الأهدافِ المشتركة من غرس قيم الأخوة الإنسانية وحوار الحضارات، والمجادلة بالتي هي أحسن، ومد جسور التواصل والتعاون مع مختلفة ثقافات وأديان الشعوب الأخرى.
إن هذه القيم بحد ذاتها خطوة مستوجبة باتجاه التحضُّر،وقد ساهم العرب على الاضطلاع بهذه الرسالة من خلال تسامحهم ومبادئهم الإنسانية التي أزالت الفوارق والتمييز العنصري، ولهذا تركوا للعالم آثاراً ناطقة بمجدهم وفضلهم على العالم.
مما يُذكر أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ذهب ليتسلَّم مفاتيح القدس، ولم يذهب قط إلى أي بلد آخر، ليظهر السماحة والتعايش مع الأديان الأخرى، ونشر مفهوم السلام بين البشر مهما كان اختلافهم في الدين.