الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رموزنا الفكرية ومعارك تويتر

لست مع الرأي الذي يقول: «كل ما جاءت به مواقع التواصل الاجتماعي سيئ!»، لكني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أنكر الفوضى التي تسببت فيها على جميع الأصعدة.. الديني والسياسي والاجتماعي والأخلاقي، بل وحتى الصحي والاقتصادي.. فأن يجد الجميع منبراً عاماً يتكلمون من خلاله، أمر ليس إيجابياً صرفاً كما يظن البعض، لأن الكثير من الكلام من الأفضل أن يبقى حبيس صدور أصحابه.

يقول الكاتب والفيلسوف الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو: «إنّ تطبيقات مثل: فيس بوك، وتويتر، منحت حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كؤوس متتالية من النبيذ، وكان يتم إسكاتهم فوراً.. أمّا الآن، فلهم الحق في الكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل».

مقولة إيكو فيها الكثير من الصحة، لكن مع ذلك لا يمكن قبولها بالمطلق.. لأن حق التعبير مكفول للجميع، والمجتمعات العربية تحديداً عانت لعقود طويلة من احتكار فئات معينة للرأي، الأمر الذي تسبب في إخراس أصوات كان لديها ما تقوله، ومنح الفرص لأصوات لا تملك شيئاً.

من المؤلم أن ترى رجلاً وقوراً في السبعين أو الثمانين من عمره يتقلب تحت سياط مغردين في أعمار أحفاده!

أكثر ما أثار استيائي في الفترة الأخيرة، هو غياب اللغة المهذبة في الحوار مع الأكبر سناً، والأرفع مقاماً.. خصوصاً ممن عُرِفَ عنهم الحكمة ورجاحة العقل، وكانوا ملء السمع والبصر في مراحل زمنية سابقة.. وهو ما يجعلني أتساءل بحزن وحرقة:

«أمَا كان أفضل لكبار السن لو نأوا بأنفسهم بعيداً عن مواقع التواصل الاجتماعي، وحافظوا على وقارهم ورصيدهم في قلوب محبيهم، بعيداً عن مهاترات المغردين وصراعاتهم التي لا تنتهي؟».

أفضيت بهذا التساؤل لصديق عزيز، فأجاب دون تفكير: «دون شك يا صديقي.. دون شك.. فكم من المؤلم أن ترى رجلاً وقوراً في السبعين أو الثمانين من عمره يتقلب تحت سياط مغردين في أعمار أحفاده!».

أنا وصديقي نتفق على هذا الرأي، لكن هناك فئات أخرى كثيرة لا تتفق، وترى أن تواصل الأجيال مطلوب، بل وضرورة ملحة.. وأن غياب أصحاب الحكمة من المتقدمين في العمر عن مواقع التواصل الاجتماعي، سيحرِم الأجيال الناشئة من فرص الاحتكاك بهم، والتعلم منهم.. وأن الحل الأمثل في المشاركات الحذرة، وليس في القطيعة بشكلٍ كامل.

قد يبدو الرأي الثاني أقرب للصواب، لكن ما نراه في ساحات تويتر تحديداً من شراسة في الردود، ورغبة عارمة في التنمّر، يجعلنا نضع مبدأ السلامة فوق كل الاعتبارات الأخرى.