الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

من جيب الوالد إلى جيب الابن

التغيّرات الجيوسياسية التي تلف العالم بأسره، أدت إلى تغيّر أنماط الحياة وخياراتنا المالية - وعلى ما يبدو- بات تأمين المستقبل همّاً يؤرق الكثيرين، وسط ملاحظات تقليصية فعلية في النفقات الفردية التي لا داعي لها، وتخفيف المغامرات المالية في الدخول بتجارة حرة قد تسبب سقطات فادحة، وبات الاحتفاظ بالـ«الكاش» في حسابات ادّخارية عوائدها متواضعة لا ترقى إلى المأمول، خياراً يقصده البعض عِوَض خوض غمار التجربة وخسارة مدخرات سنوات.

لنا في حياة من سبقونا تجارب !

في زمن ليس ببعيد كان آباؤنا يدّخرون ويبنون مستقبلاً لأبنائهم وأحفادهم عن طريق تجارة حرة صغيرة، تبدأ بالدكاكين وصالونات الحلاقة ومحال غسيل وكيّ الملابس، وتنتقل إلى تجارة أوسع بالمضاربة في أسواق المال وامتلاك السندات والاستثمار العقاري والعمل في مجال المقاولات والانتفاع الإيجاري وغيرها.

في ذلك الوقت كان الاستقرار سمة رئيسية في مفاصل الحياة، وكان النمو السكاني العالمي متصاعداً، فكان الاستثمار في العقارات على سبيل المثال والبحث عن عائد إيجاري يحقق منافع وأرباحاً لها وقع كبير على مسار رفاهية الأسر ومداخيلها، وذلك لا يعني عدم وقوع أخطاء كارثية أدت إلى إفلاس الكثيرين ووقوعهم تحت طائلة المديونية، وخاصة أنه في تلك الفترة لم تكن البنوك تمنح الأفراد والشركات الصغيرة الناشئة خدمات مغرية، بل كانت تُضاعف الفوائد وتصعبها.

في زمن ليس ببعيد كان آباؤنا يدّخرون ويبنون مستقبلاً لأبنائهم وأحفادهم

اليوم انقلبت الموازين، فما كان مجدياً في السابق عند الآباء الذين يؤمنون بالقبض على القرش قبضة قوية لليوم الأسود، ويزاولون عملاً حكومياً في النهار ويفتحون مكاتبهم الخاصة عصراً حتى التاسعة ليلاً لتأمين حياة كريمة لأسرهم، لم يعد ديدناً يسير عليه الأبناء، بل منهم من أذهب تعب سنين والده بالسفر واللهو والمغامرات وشراء كماليات بأسعار خيالية، حتى ذهب الميراث هباءً منثوراً.. وفي المقابل هناك صِنف حكيم حاول مجاراة حياة الماضي، فوجد نفسه سمكة صغيرة تضارب بين قروش تلتهمه برمشة عين.

فما العمل اليوم في ظل حياة تتجه نحو مزيد من التعقيد؟ تقض مهجع الراحة، إذ إن تأمين الحياة مطلب ضروري أضحى اليوم همّاً يشغل الشباب الذين لم يصبحوا يعتمدون على محفظة العائلة، وارتأى كثير منهم الانزواء عن شركاتهم العائلية، وفتح تجارة خاصة بهم لا يتشاركها مع إخوته لحاجة في نفس يعقوب، فحتى القلوب لم تعد هي ذاتها، بل سادت الفردانية والجشع.. تتعدد الأسباب بين منطقية ولا منطقية!