الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«القرآن».. علمنا استئناف الأحكام

كثيراً ما أتبادل مع أحد أصدقائي من المحامين غير المسلمين الحديث حول المسائل القانونية، والذي استمتع بنقاشه القانوني لغزارة علمه في هذا المجال، وكان حديثه معي هذه المرة حول رُقي القانون الفرنسي وكيف أنه شرع بأن يتم استئناف الحكم الخاطئ حتى يعطي ضمانات أكثر لعدم ظُلم أحد.

ومن باب النقاش القانوني أردت أن أُبين له أن القرآن الكريم شرع استئناف الأحكام قبل 1400 سنة إذا تبين خطؤها، وعززت قولي بما ورد في بعض الآيات من سورة (ص) التي جاء فيها (بأنّ خصمين تسورا المحراب على داوود عليه السلام، ليعرضا عليه قضيتهما، حيث ذكر أحدهما أن له 99 نعجة بينما لخصمه نعجة واحدة، والآيات ذاتها بينت أن داوود حكم بأن صاحب النعاج الـ99 ظالم،، ثم استمرت الآيات بتوضيح أن الله تعالى غفر لداوود بعد أن خر راكعاً وأناب نتيجة أنه لم يحكم بالحُكم الصحيح).

وأثناء نقاشي تدخل شخص محتجاً لأنني أقول: (بأن داوود عليه السلام لم يتمسك بحكمه الخاطئ، وإنما خر راكعاً وأناب عندما علم أنه لم يوفق في حكمه)، وحَوّر كلامي بأنه لا يجوز أن أُفسر القرآن وأُخطّئ داوود في حكمه لأن الأنبياء معصومون من الخطأ.

فشرحت له مستعيناً بلغات الحق والمنطق والقانون أني لم ولن أدعي يوماً اختصاصي بتفسير ولو آية من القرآن الكريم، وأن ما تناولته من زاوية قانونية بحتة أوضح فيها أن القرآن الكريم أمر بالرجوع عن الأحكام الخاطئة قبل أن نعرف التشريعات القانونية الحديثة التي شرعت ذلك، أما عصمة الأنبياء فهذا لم يكن محوراً لحديثي.

كما أن الآيات ذكرت أن داوود عليه السلام عندما علم بأنه لم يكن موفقاً في حكمه خر راكعاً وأناب، وكلمة (أناب) وفق قواميس اللغة العربية هي الرجوع إلى الصواب وتصحيح المسار الخاطئ، كما أن الآيات ذاتها ذكرت أن الله -تعالى- غفر لداوود، ومن المتعارف عليه عند اللغويين أن كلمة «غفر» ومشتقاتها تأتي بعد ارتكاب عمل يجب أن لا يقع، ومن أسماء الله الحسنى «الغفور» أي أنه -تعالى- يغفر لمن يخطئ أو يرتكب ذنباً، وأنا لم أقل إن داوود ارتكب ذنباً وإنما قلت تم استئناف حكمه القضائي الخاطئ.

وهذا يقودنا إلى أن البعض لا يفرق بين من يزعمون تفسيرهم للقرآن ومن ينفذون أمر الله -تعالى- بالتفكر والتدبر في آيات القرآن علّهم يعقلون مبادئها العالمية الراقية والتي هي للناس كافة وليست مقتصرة على فئة دون أخرى.