وتتعدد القواسم الثقافية والعلمية والمعرفية المشتركة بين الإمارات والصين، والتي تتجلى في المقولة المأثورة عن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «إن تعليم الناس وتثقيفهم في حدّ ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي»، وتقابلها في الجانب الصيني حكمة الفيلسوف كونفوشيوس: «مهما بلغت درجة انشغالك فلا بدّ أن تجد وقتاً للقراءة، وإن لم تفعل فقد سلّمت نفسك للجهل بمحضِ إرادتك».
وتزامناً مع الزيارة المرتقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة، حرصت «الرؤية» على رصد أوجه التعاون الثقافية والفنية والأدبية المشتركة بين الإمارات والصين، خصوصاً أن عام 2019 يوافق الذكرى الـ 35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
وأكد مثقفون وباحثون أن الإمارات والصين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية وحضارية مشتركة، أرسى دعائمها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والرئيس الصيني يانج شونج كون الذي زار الإمارات عام 1989، وتلتها زيارة الوالد المؤسس إلى الصين عام 1990.
قالت رئيسة نادي قراء مجلة «الصين اليوم» في الإمارات، الباحثة في الشأن الصيني همت لاشين، إن الشعب الصيني ينطق بالحكمة ويعتز بتاريخه وحضارته وإرثه العريق، كما يتسم الصينيون بالبساطة والقناعة، وبعد انفتاحهم على العالم أصبحت طموحاتهم بلا حدود.
وتابعت: «في الوقت الذي تتلاشى فيه الحدود بين الدول، وأصبح الربط بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها وبين شرقها وغربها سهلاً وبضغطة زر، تأتي أهمية تعلم اللغات والترجمة لنشر الثقافات وتعميق الحوار بين الحضارات والشعوب والإنسانية».
وذكرت أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للصين تحيي طريق الحرير التاريخي، وتشكل حلقة وصل اقتصادية وتجارية وثقافية، باعتبار الإمارات من أهم شركاء الصين في الشرق الأوسط.
قواسم مشتركة
ومن خلال اطلاعها على الثقافتين الإماراتية والصينية، أشارت همت لاشين إلى أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين البلدين في القيم الاجتماعية والعادات والتقاليد، ومن أبرزها احترام الوالدين، آداب الحوار، كرم الضيافة، ثقافة شرب الشاي، فضلاً عن اهتمام كل من الصين والإمارات بالرياضة.
وأضافت: «اهتمت الإمارات بالترجمات من العربية وإليها، وخصوصاً الصينية، ما يؤكد دور الإمارات في مد جسور التواصل الحضاري بين شعوب العالم».
قاعة الثقافة العربية
بدوره، أوضح رئيس معهد الشارقة للتراث الدكتور عبدالعزيز المسلم أن المعهد يستعد لافتتاح قاعة الشارقة للثقافة العربية في جامعة زيهجيانغ الصينية، وهي قاعة ثقافية متعددة الأغراض تضم مكتبة ومجلس ضيافة وركناً تعليمياً وآخر للمعارض، وذلك تزامناً مع زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للصين.
وأشار إلى أن المعهد نظّم دورة متخصصة في اللغة الصينية، فضلاً عن إقامة ورشة للخط الصيني، كما تعاقدت معه جامعة زيهجيانغ الصينية كأستاذ زائر لتعليم الثقافة العربية للطلاب لمدة خمسة أعوام، وذلك بهدف نشر الثقافة العربية حول العالم.
تبادل معرفي
وأضاف المسلم أن المعهد نظم مجموعة من الزيارات المعرفية التبادلية بين الطلبة الإماراتيين والصينيين، إلى جانب تفعيل برامج تبادل زيارات الباحثين والحرفيين والفنانين التقليديين والكتّاب، فضلاً عن مشاركة الصين بجناح مميز كل عام في أيام الشارقة التراثية، إلى جانب مشاريع تبادل الترجمة والنشر.
زيارات فنية
وحول برامج التبادل الفني بين الإمارات والصين، قال نائب رئيس اتحاد المصورين العالميين رئيس رابطة مصوري الإمارات سعيد الشامسي إن البرامج تتمثل في الزيارات المتكررة لأعضاء رابطة الإمارات للتصوير الضوئي، بدعوات متواصلة من جمعية «شانقتوف الصينية»، والمشاركات المتكررة في عدة معارض فنية تقام في جمهورية الصين الشعبية، فضلاً عن إلقاء بعض المحاضرات وتنظيم ورش فنية على هامش تلك المعارض.
ولفت إلى توقيع اتفاقية عام 2018 بين رابطة مصوري الإمارات وجمعية شانقتوف، لتبادل الزيارات والمعارض الفنية المشتركة، حيث انبثق عن هذا الاتفاق زيارة قام بها بعض أعضاء الرابطة إلى منغوليا الداخلية في أغسطس الماضي، بينما زار الإمارات في ديسمبر الماضي 12 مصوراً ومصورة من الصين ضمن برنامج إحياء طريق الحرير التاريخي.
نادي الكتاب الصيني
من جانبها، اختارت الصينية أنتونيا غرونسكا غوكديني دبي، لتكون مقراً لنادي الكتاب الصيني في العالم العربي والشرق الأوسط، وبوابة لتحقيق التواصل الحضاري والثقافي بين العرب والصينيين، مؤمنةً بأن الأدب أداة لتوحيد الشعوب مهما اختلفت أعراقهم وألوانهم.
وذكرت غوكديني أنها أسست النادي في أكتوبر 2018، بعد أن لاقت الفكرة تفاعلاً كبيراً من أبناء الجالية الصينية في الإمارات، مضيفة: «شهد أعضاء النادي حضور توقيع كتاب الخيال العلمي للمؤلف ليو تسي شين خلال مهرجان طيران الإمارات للآداب أخيراً، فضلاً عن حضور إحدى فعاليات رابطة الكتّاب المحليين في الإمارات الأسبوع الماضي، والتي نتطلع من خلالها لتنظيم مجالس أدبية ثقافية تجمع بين المؤلفين والقراء العرب والصينيين».
استقطاب كتّاب عرب
وحول تفاعل جمهور الكتّاب والمثقفين العرب مع جلسات وورش نادي الكتاب الصيني، لفتت أنتونيا غرونسكا غوكديني إلى أن الحضور ما زال مقتصراً على الصينيين، و«لكننا نأمل في استغلال التنوع الثقافي الموجود على أرض الإمارات للترحيب بالكتّاب العرب والإماراتيين لحضور الجلسات النقاشية المقامة في النادي مستقبلاً».
إعلام صيني عربي
وفي سياق متصل، أكدت المذيعة الصينية غريس تشانغ، مراسلة القناة الصينية العربية بدبي، أن القناة اتخذت من دبي مقراً للبث في المنطقة العربية التي تشمل 22 دولة، بهدف أن تكون نافذة تجمع بين العرب والصينيين لفهم بعضهم البعض، فضلاً عن إرساء دعائم الثقافة ومد جسور التواصل بين الشعوب العربية والصينية.
وتابعت: «أقدّم برنامجاً أسبوعياً أستضيف من خلاله العديد من المسؤولين والباحثين والمثقفين لمدة نصف ساعة، نتحدث خلاله عن قضايا ثقافية وفكرية في الإمارات، وبفضل عملي في القناة منذ ثلاثة أعوام، تمكنت من لقاء آلاف الإماراتيين، الأمر الذي منحني قدرة على التعمق في الثقافة الإماراتية، والتي أصبحت أعبر عنها في رسالتي الإعلامية، وأحمل على عاتقي نقل هذه الصورة المشرفة إلى العالم».
تعددية ثقافية
إلى ذلك، أوضحت الصينية شين كينغ، المقيمة في دبي منذ خمسة أعوام، والتي تعمل في إكسبو 2020، أن إقامتها في الإمارات لم تشعرها بالغربة، مضيفة أنها تسعى عبر عملها إلى عكس التعددية الثقافية الموجودة على أرض الإمارات وكرم الضيافة الإماراتية، والتعامل مع الثقافات المتعددة المقيمة على أرض الدولة، التي تتميز بقبول الآخر والتسامح والتعايش، ما يمنحها شعوراً دائماً بالراحة والطمأنينة والأمن والأمان.
وذكرت كينغ أنها تفضل حضور الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية والجلسات الأدبية والفكرية الصينية المقامة في الإمارات، وكان آخرها استضافة الكاتب الصيني ليو تسي شين مؤلف كتاب الخيال العلمي «مشكلات الجسم الثلاث» في مهرجان طيران الإمارات للآداب، فضلاً عن عرض الفنان الكوميدي جيو ديغانغ على خشبة مسرح مدينة جميرا بدبي العام الماضي، وعرض أوائل الربيع خلال العام الجاري في أوبرا دبي، وغيرها.