الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أسماء حمزاوي.. مغربية تكسر احتكار الرجال تراث «كنـــــــــــاوة»

حينما أطلت الفنانة المغربية أسماء حمزاوي في حفل عام 2012 لم يعرف الجمهور في الدار البيضاء كيف يتعامل معها، فهي أول امرأة تقدم حفل «كناوة» بشكل رسمي في المغرب محطمة تقليداً مجتمعياً يتعلق بهذا النوع من الموسيقى المرتبطة بالتراث، حيث جعلها حكراً على الرجال في بلدها.

وكانت حمزاوي حينها صغيرة السن بينما تؤدي نوعاً من الموسيقى الأصيلة التي تنبض بالخبرة والحكمة، كما أنه لم يسمع من قبل عن امرأة تغني «كناوة» في حفل عام، إذ إن المتعارف عليه أن غناء النساء لهذا النوع من الفن يكون في حفلات الأقارب الخاصة، الأمر الذي تسبب في «دهشة جماهيرية» لازمت بداياتها الفنية.

يشار إلى أن هذا النوع من الموسيقى ولد في المغرب والجزائر وتونس، أي في مجتمع شمال أفريقيا لأفراد ينتمون إلى نسل جنود وعبيد من غرب أفريقيا استخدموا الموسيقى كنمط تعبير رئيسي. وتأثرت «كناوة» في احتفالاتها بالصوفية سواء على صعيد الأساليب الموسيقية أو الرقصات أو الأزياء، ناهيك عن تتبعها أنماطاً روحانية أخرى، فالكناوة في حقيقتها أشبه بصلوات مصحوبة بالموسيقى.


وشكل التعليم الموسيقي الذي تلقته حمزاوي في بيتها حجر الأساس لانطلاقها نحو العزف على آلة «الكمبري» والتحليق في عوالم «كناوة» الرحبة فنياً، حيث تتلمذت على يد والدها المعلم الشهير رشيد حمزاوي.


وتصف موهبتها المتألقة بأنها بمثابة تجربة حلوة ومرة معاً بالنسبة لوالدها، قائلة «كان يريد ولداً لأن تقاليد كناوة تحتم أن ينقل المعلم (قائد الفرقة) معرفته ومهاراته إلى أبنائه الذين ينقلونها بدورهم إلى أولادهم، توالياً، لكنه بدلاً من ذلك كان يعلمني وشقيقتي الكبرى عائشة هذا الفن وسط سعادته بهذا الأمر».

وشددت أسماء على أن والدها الذي لا يزال يؤدي عروضاً فنية في جميع أنحاء المغرب يجمع بين الفكر التقدمي وعشق الفنون.

وقالت «لم يقلقه أو يعنيه كثيراً أننا نساء حيث بدا اهتمامه دوماً بكيفية أدائنا واندماجنا الموسيقي، وبالتالي كان فخوراً ومسروراً ومستمتعاً للغاية برؤيتنا نبدع ونتميز في أداء الكناوة».

ولم تُفاجأ حمزاوي بموافقة والديها على إحيائها حفلات منفردة بعدما طلبت مباركتهما هذا الأمر.

وتلمح حمزاوي بضحكة وإيماءة إلى أن والدها ربما أراد صنع التاريخ لنفسه، حيث لا أولاد ذكور لديه، فأحب فكرة أن يكون أول معلم كناوة ينقل علمه وموروثه الموسيقي إلى امرأة فنانة تقدم حفلات.

وربما حصل المعلم رشيد على أكثر مما توقع، حيث أدرجت أسماء أختها عائشة، وصديقة طفولتها سكينة المليجي، وكلتاهما تبلغان 27 عاماً، لتكونا جزءاً من فرقتها الموسيقية «بنات تومبوكتو»، كما أصدرت ألبومها الأول بعنوان «ولاد الغابة» الشهر الماضي، ويضم مجموعة من أغنيات «كناوة» التي تذهب بالعقل في ظل محافظتها وتوافقها مع جماليات هذا الصنف الموسيقي.

وأكدت حمزاوي أنها حاولت في هذا الألبوم كسر القوالب النمطية التي يضع فيها البعض وخصوصاً المغرب فن الكناوة، مشيرة إلى الناس لديهم افتراضات خاطئة بأن هذا الفن يدور حول استحضار الأرواح، معتبرة أن هذه ليست الحقيقة على الإطلاق، فالكثير من موسيقى «كناوة» تتمحور حول تكريس الإخلاص لله، على حد قولها.

وترى حمزاوي أن اللمسة الوحيدة الحداثية والمعاصرة في ألبومي تتعلق بالإنتاج، حيث سجلته على يد فريق في ستوكهولم بالسويد، وهذا أقصى ما تفعله على صعيد الدمج الموسيقي، رغم تزايد موضة مزج «كناوة» بالروك والريغي.

وتبدو حمزاوي غير مهتمة أو معنية بهذا الدمج الفني، مضيفة «الفرق أنك حينما تلعب الكناوة المدمجة بالفنون الأخرى فأنت تتشارك عبء العمل مع الفرقة، فتؤدي جزأك التقليدي بينما يقدم الآخرون أدوارهم وأساليبهم الفنية.. إنه التوازن».

لكن في الكناوة التقليدية نجد أن قائد الفرقة هو المعلم الذي تنظر إليه الفرقة باعتباره من يملي ويفرض لحن الأغنية وإيقاعها، فالموسيقى حينها تدور وتتمحور حول المعلم، بحسب تعبيرها.

وأكدت الفنانة المغربية أسماء حمزاوي أن هناك الكثير من الناس ممن يلقبون أنفسهم بـ«المعلمين» هذه الأيام وهم ليسوا كذلك، ما يسيء إلى الفن ويقلل من قيمته، مطالبة بضرورة وجود معهد يضم أساتذة حقيقيين يقيّمون ويصنفون هؤلاء الفنانين ليمنحوهم لقب «المعلم» من عدمه، معتبرة أنها بعيدة جداً عن هذا الأمر، فسعادتها تكمن في غنائها وأدائها فن الكناوة.
عن صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية