السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الأمراض النفسية تصيب "الأجنة"

الأمراض النفسية تصيب "الأجنة"
يُعد الدماغ البشري العضو الأكثر تعقيداً من الناحية الفسيولوجية، فالتفاعلات بين الجينات والبيئة، وكذلك العمليات العشوائية المرتبطة بوجود أكثر من 100 مليون خلية عصبية تجعل من الصعب للغاية فهم الدماغ والتفاعلات الاندماجية التي تحدث في تلك المنطقة المزدحمة بـ100 تريليون من الاتصالات العصبية.

تؤثر الاضطرابات التي تحدث في الاتصالات العصبية على الإنسان، إذ تينجم عنها أمراض عضوية ونفسية وعصبية، على رأسها الاكتئاب، الذي يُعاني منه أكثر من 400 مليون شخص حول العالم، حسب منظمة الصحة العالمية.

وعلى الرغم من شيوع الاضطرابات النفسية، إلا أن الطبيعة المركبة لعمل الدماغ تجعل التعرف على أسبابها أمراً في غاية الصعوبة، إلا أن بحثاً جديداً، قد يُساهم في فهم أسباب الأمراض النفسية.


إذ قالت دراسة علمية ضخمة نُشرت نتائجها في دورية Cell إن العديد من الأمراض النفسية تشترك في بنية وراثية واحدة، ما يعني وجود «منشأ جيني واحد» للأمراض النفسية.


وحدد الباحثون في مستشفى ماساتشوستس العام أكثر من 100 نوع من الجينات يُمكن أن تؤدي إلى الإصابة بحالة صحية نفسية عارضة، أو مرض نفسي خطير.

تؤثر الاضطرابات النفسية على أكثر من 25% من البشر، إذ تتعرض تلك النسبة إلى الإصابة بمرض نفسي لمرة واحدة في العمر على الأقل، وتقول تلك الدراسة إن المتغيرات الجينية يُمكن أن تزيد خطر الإصابة بالمرض النفسي.

تتكون الجينات من أجزاء من الحمض النووي، وحين يحدث أي تغيير في تسلسل ذلك الحمض، ينتج عنه متغير جيني معين يُمكن أن يسبب العديد من الأمراض.

ويقول مدير مركز الطب الجيني بمستشفى ماساتشوستس العام والباحث المشارك في تلك الدراسة، فيل أتش لي «إن دور الوراثة لم يكن معروفاً على وجه الدقة فيما يتعلق بالأمراض النفسية، إلا أن فحص المتغيرات الجينية لعدد كبير من المتطوعين المُصابين بطيف واسع من الأمراض النفسية أثبت وجود علاقة بين المرض النفسي والمتغير الجيني».

ويُشير لي في تصريحات خاصة لـ«الرؤية» إلى أن «الدراسة تفتح مجالاً جديداً لدراسة الأمراض النفسية، إذ وجدت النتائج تشابهاً يصل إلى حد التطابق في أنواع معينة من المتغيرات الجينية عند أعداد كبيرة من المصابين بالمرض النفسي».

وفي إجابة عن سؤال وجهته «الرؤية» بشأن احتمالية تصميم أدوية مستقبلية للسيطرة على الأمراض النفسية عن طريق استهداف تلك المتغيرات، يقول لي، إن ذلك الأمر «وارد بشدة»، مؤكداً أنه خلال السنوات المقبلة «يُمكن أن نستطيع السيطرة على أمراض عصية على العلاج، كالاضطرابات ثنائية القطب والاكتئاب الشديد».

وفي نتيجة أخرى للدراسة، وجد الباحثون دليلاً على أن الجينات المرتبطة باضطرابات متعددة يُمكن أن يظهر تعبيرها بداية من الثلث الثاني من الحمل، ما يعني أن بعض الأمراض النفسية يُمكن أن تنشأ بينما المُصاب بها لا يزال جنيناً. ويقول، لي، «إن تلك النتيجة تفتح الباب أمام دراسة احتمالية إصابة الشخص بالمرض النفسي بينما لا يزال في رحم الأم».

ويقول الباحثون إن المرض النفسي، شأنه شأن الأمراض الفسيولوجية العادية، يُمكن أن تسببه المتغيرات الجينية، ما يعني أن تلك المتغيرات يُمكن أن تسبب اضطرابات لها تأثيرات متعددة على الجسم، من الناحية النفسية والسلوكية والفسيولوجية.

ويقول مدير وحدة الطب النفسي الوراثي في جامعة هارفارد والمؤلف الرئيس لتلك الدراسة، جوردان سمولر، في تصريحات نقلها البيان الصحافي المُرفق في الدراسة، «إن فهم الطريقة التي تُساهم بها الاختلافات الوراثية في الإصابة بطيف واسع من الأمراض النفسية يُمكن أن يفتح طريقاً جديداً لعلاج تلك الاضطرابات، خاصة أن لها بيولوجيا مشتركة».

ويقول الباحثون إن الأمراض النفسية التي لها بنية وراثية مشتركة يُمكن تصنيفها إلى 3 مجموعات فقط، أولها تلك الأمراض التي تتميز بسلوكيات إلزامية كفقدان الشهية العصبي، واضطراب الوسواس القهري.

أما المجموعة الثانية فهي اضطرابات المزاج والذهان، كاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب الشديد، والفصام.

فيما تشمل المجموعة الثالثة اضطرابات النمو العصبي المبكرة، كاضطراب طيف التوحد، واضطراب فرط الحركة، ونقص الانتباه.

وبحسب منظمة الصحة العالمية؛ يعتبر الاكتئاب من الاضطرابات النفسية الشائعة، وأحد الأسباب الرئيسة للعجز في جميع أنحاء العالم، فعلى الصعيد العالمي، يعاني ما يقدر بنحو 400 مليون شخص من جميع الأعمار من الاكتئاب، ويتأثر عدد أكبر من النساء بالاكتئاب مقارنة بالرجال، فيما تؤثر الاضطرابات الوجدانية ثنائية القطب على نحو 60 مليون شخص على مستوى العالم، ويعاني حوالي 21 مليون شخص على مستوى العالم من الفصام، وهو اضطراب نفسي حاد يحدث خللاً في التفكير، والتصورات، والعواطف، وملكة اللغة، والإحساس بالذات، والسلوك، فيما يؤثر الخرف على ما يزيد على 35 مليون شخص على مستوى العالم في الوقت الذي يعاني فيه طفل واحد من كل 160 طفلاً من اضطراب طيف التوحد، وهي أرقام مفزعة على حد قول لي، مشيراً إلى ضرورة «تكثيف الأبحاث في المرحلة المقبلة لرفع العبء العالمي الناجم عن الإصابة بالأمراض النفسية».

وستساهم معرفة الكيفية التي ترتبط بها الاضطرابات النفسية بالبيولوجيا في تصنيف الأمراض النفسية بشكل أفضل، وهو أمر قد يُساهم في حل تلك المشكلة العويصة التي يتأثر بها نحو ربع البشر.