سنوات عمرها التي قضتها بين أكياس الدم، ووخز الإبر، والآلام والأوجاع، تلك التي لا تفرق بين كبير وصغير لم تزدها إلا إصراراً على التمسك بالنجاح وولّدت بداخلها تحدياً وإرادة صلبة تأبى الاستسلام للفشل، لتسخِّر «الميكروفون والكاميرا» وحياتها لمدّ يد الأمل لأبناء الثلاسيميا، وتبث في قلوبهم الإيمان بحق التمسك بالحياة.
وعن تجربتها مع الثلاسيميا، قالت البلوشي لـ«الرؤية»: لست تحصيل حاصل في الحياة، وأرفض الممارسات السلبية التي يتعامل بها البعض مع مرضى الثلاسيميا، ولن أرضى بحكم الإعدام، أو التعامل معي باعتباري مجرد كائن ضعيف عاجز عن العطاء والإنتاج، لذلك اتخذت من الميكروفون وعدسة كاميرا التلفزيون رفقاء لدربي في الحياة، محاولة أن أجعل من المنبر الإعلامي صوتي الذي ينادي بحق أبناء الثلاسيميا في الحياة.
ليس عائقاً
وأشارت إلى أنه بمجرد تخرجها من كلية الإعلام بجامعة عجمان، عملت كمراسلة تلفزيونية لأحد البرامج الإخبارية الكبرى بقناة أبوظبي لعدة سنوات، وهو ما كان يتطلب منها أن تجوب أكثر من 3 إمارات أسبوعياً لتغطية الفعاليات وتقديم التقارير الإخبارية المصورة، دون أن تشعر يوماً أن المرض عائق أمام أدائها لمهمتها الإعلامية، حتى باتت تعرف بحواراتها اللافتة مع كبار الفنانين العرب ونجوم السينما العالميين، ومنهم النجم الهندي شاروخان ومطرب العرب محمد عبده.
الجهل بالمرض
وأكدت سفيرة الثلاسيميا أن التحديات التي واجهتها خلال سنوات عمرها كانت كثيرة، لكن أهمها الجهل بطبيعة مرض الثلاسيميا الذي يعد أول حائط يصطدم به المريض وأهله، فحين اكتشف والداها إصابتها بالمرض، طَرَقا كافة الأبواب باحثين عن علاج دون أن يعلما أنه لا جدوى، من محاولاتهما، فالمرض لا شفاء منه.
وأكدت أنه عندما أنجب أبواها شقيقتها الثانية مصابة بالمرض نفسه، كان ذلك بمثابة صدمة جديدة تهز كيان أسرتها، دون أن يعلما أن صلة القرابة بينهما هي السبب الأساسي في تلك الأزمة، لينتهي المطاف بوالديها بـ4 أبناء مصابين بالثلاسيميا، ولكنهما رضيا بقضاء الله، ووجدا في عملية نقل الدم السبيل الوحيد الذي يمنح أبناءهم الحياة، وتبدل خوفهم لإيمان بالله، وحق أبنائهما في الحياة.
الطعنة الأولى
وتعتب البلوشي بشدة على بعض أفراد المجتمع الذين ما زالوا ينظرون إلى مريض الثلاسيميا بشفقة وأنه محكوم عليه بالإعدام، وعليه انتظار الموت في منزله، سالبين منه أي فرصة لكي يعمل وينتج ويتزوج وينجب، غافلين أن الموت يأتي للإنسان عندما ينتهي عمره، وليس بنهاية رصيده الصحي.
وأوضحت أن الطريق أمامها لم يكن ممهداً بالورود، فعلى الرغم من تصالحها مع طبيعة مرضها إلا أن جهل المحيطين بها، سبب لها الكثير من الآلام النفسية التي كانت أكثر وطأة من الحقن وأوجاع نقل الدم، خاصة عندما تقدم أحد الرجال لخطبتها، وبمجرد أن أخبرته أنها مصابة بالمرض، أعرض عن استكمال مشروع الزواج، وكأنها مصابة بمرض معدٍ أو وباء دون أن يحاول أن يبحث عن طبيعة المرض.
وأكدت البلوشي أن هذا الموقف السلبي كان بمثابة الطعنة الأولى لها من المجتمع، ما دفعها لتسخير المنبر الإعلامي الذي تنتمي إليه لتوعية الناس بالمرض، وتقديم الدعم المعنوي لأبنائه، والحث الدائم على وجود ضرورة تقبلهم اجتماعياً كأشخاص طبيعيين لا ينقصهم أو يعيقهم شيء عن أداء مهامهم الحياتية.
ابن الحلال
عن حلمها في الحياة، قالت منال البلوشي: بعد رحلتي لـ30 عاماً مع المرض أؤكد للجميع لسنا عالة، وقادرون على العطاء والزواج والإنجاب، وأتمسك بحقي في الحياة والأمومة، وأنتظر ابن الحلال لأبدأ معه فصلاً جديداً منها، فأنا امرأة كاملة لا ينقصني شيء، ولكن أدرك أهمية أن يكون الاختيار سليماً وخالياً من جينات الثلاسيميا حتى أتجنب إنجاب أطفال مرضى.
وعاهدت البلوشي نفسها أن تكون سفيرة للتوعية بالثلاسيميا بين أفراد أسرتها والمحيط الذي تعيش فيه، ووظفت وقت فراغها في خدمة من حولها وبخاصة أبناء الثلاسيميا، بعدما جعلت من الثلاسيميا معركتها في الحياة.