تقنية ثورية تعالج «الاكتئاب»

كان الجو مُشرقاً في صبيحة يوم 30 يونيو 2018؛ غير أن السيدة ديردر ليمان البالغة من العمر 60 عاماً أحست عندما استيقظت من النوم «بتسونامي من الظلام».

عانت ليمان من اضطراب ثنائي القطب معظم حياتها ولكن حالتها ظلت مستقرة مع الأدوية والعلاجات النفسية لمدة 15 عاماً قبل ذلك الصباح.

لكنها في ذلك اليوم، سمعت صوتاً يناديها من الداخل، يُخبرها بضرورة التخلص من حياتها البائسة.

أخبرت زوجها أنها ستنتحر، فقد كانت تلك الأصوات عالية لدرجة أنها لم تستطع إيقافها.

لحسن الحظ، أقنعها زوجها بالتوجه إلى مستشفى تابع لجامعة ستانفورد، وهناك؛ حدد الباحثون «نقطة» في دماغها يُمكن أن تستجيب لعلاج جديد صممه باحثون في تلك الجامعة، علاج قائم على التحفيز الكهربائي.

ساهم ذلك العلاج في تحسين حالة ليمان على الفور، مضيفة أنها شعرت كأنها «مُست بسحر ما.. سحر العلم»، وهو ما دفع الأطباء هناك إلى إجراء العديد من التجارب على مرضى آخرين، ليجدوا أن ذلك الشكل الجديد من التحفيز المغناطيسي للدماغ ساهم في تخفيف أعراض الاكتئاب الحاد بسرعة في 90% من المشاركين في دراسة صغيرة أجراها باحثون في كلية الطب بجامعة ستانفورد.

ويُجري الباحثون حالياً تجربة أكبر، إذ يتلقى نصف المشاركين فيها علاجاً وهمياً.

ويتوقعون أن التجربة الثانية ستثبت فاعليتها في علاج الأشخاص الذين لم تتحسن حالتهم بالأدوية أو العلاج النفسي أو أشكال أخرى من التحفيز الكهرومغناطيسي.

ويسمى هذا العلاج علاج التعديل العصبي الذكي (SAINT)؛ وهو شكل من أشكال التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، حسبما أفاد البحث المنشور في المجلة الأمريكية للطب النفسي.

وكانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد وافقت على ذلك النوع من التحفيز لعلاج الاكتئاب قبل نحو عام.

وأفاد الباحثون بأن العلاج يحسن البروتوكولات الحالية التي وافقت عليها إدارة الغذاء والدواء من خلال زيادة عدد النبضات المغناطيسية، وتسريع وتيرة العلاج واستهداف النبضات وفقاً للدائرة العصبية لكل فرد.

وقال أستاذ مساعد الطب النفسي والعلوم السلوكية بجامعة ستانفورد، نولان ويليامز في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»، «إن ذلك العلاج هو الوحيد من نوعه حتى الآن الصالح للمرضى المُصابين بالاكتئاب الحاد المقاوم للعلاج».

قبل الخضوع للعلاج، كان جميع المشاركين الـ21 في الدراسة يعانون من الاكتئاب الشديد، وفقاً لعدة اختبارات تشخيصية، وبعد تطبيق ذلك العلاج، سُجل 19 منهم ضمن النطاق غير المكتئب.

وعلى الرغم من أن جميع المشاركين لديهم أفكار انتحارية قبل العلاج، لم يذكر أي منهم وجود أفكار انتحارية بعد الخضوع للعلاج.

في حين، لم يستجب أي من المشاركين الـ21 في السابق للأدوية أو التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة المعتمد من قِبل إدارة الأغذية والعقاقير أو العلاج بالصدمات الكهربائية.

وذكرت الدراسة أن الآثار الجانبية الوحيدة للعلاج الجديد كانت التعب وبعض الانزعاج أثناء العلاج.

في التحفيز المغناطيسي العادي عبر الجمجمة، تثير التيارات الكهربائية من لفائف مغناطيسية موضوعة على فروة الرأس منطقة من الدماغ يُعرف عنها كونها مُسببة للاكتئاب.

ويتطلب العلاج، كما وافقت عليه إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، 6 أسابيع من الجلسات بمعدل مرة واحدة يومياً.

حوالي نصف المرضى الذين يخضعون لهذا العلاج يتحسنون، ثلثهم فقط لا يُعانون من أي أعراض اكتئابيه بعد تلقي ذلك العلاج.

افترض باحثو ستانفورد أن بعض التعديلات على التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة يمكن أن تحسن فاعليتها.

وقد اقترحت الدراسات جرعات أقوى، إذ إن 1800 نبضة في الجلسة بدلاً من 600، ستكون أكثر فاعلية.

يقول ويليامز في تصريحاته لـ«الرؤية»، «إن الفريق البحثي كان متفائلاً بحذر بشأن سلامة العلاج، إذ تم استخدام جرعة التحفيز هذه بدون ضرر في أشكال أخرى من تحفيز الدماغ للاضطرابات العصبية، مثل مرض باركنسون».

وأشارت دراسات أخرى إلى أن تسريع العلاج سيساعد في تخفيف اكتئاب المرضى بشكل أسرع.

تقول منظمة الصحة العالمية إن الاكتئاب من العلل الشائعة على مستوى العالم برمته، إذ يؤثر على أكثر من 300 مليون شخص.

ويختلف الاكتئاب عن التقلبات المزاجية العادية والانفعالات العاطفية التي لا تدوم طويلاً، كاستجابة لتحديات الحياة اليومية.

كانت ليمان واحدة من هؤلاء، فالاكتئاب الذي استيقظت عليه قبل عامين تقريباً هو أسوأ حلقة واجهتها على الإطلاق.

حصلت ليمان على درجة الماجستير في جامعة كاليفورنيا، غير أنها انسحبت تماماً من الحياة العملية عندما كانت شابة، بعدما طغت أعراض اضطراب ثنائي القطب على دراستها.

وأشارت ليمان إلى أنها كانت تبكي لأتفه الأسباب، ولم تعد تستمتع بالحياة، وأن كلمة حياة طبيعية ولّت إلى غير رجعة، بينما تشعر الآن بأنها في أفضل حال.

وأضافت ليمان، «بحلول الجلسة الثالثة من العلاج بدأت الأصوات تخفت في دماغي، وفي الجلسة الخامسة صمتت تلك الأصوات.. على ما يبدو للأبد».