الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

موائد الرحمن في مصر.. ثواب يطلبه المُسلم والمسيحي والتوصيل "دليفري" في زمن كورونا

صفاء الشبلي

اعتادت عايدة ميخائيل منذ نعومة أظافرها في منزل والدها المشاركة بجزء من المال لشراء المواد العينية اللازمة لإقامة مائدة الرحمن في شارعها بمنطقة بولاق الدكرور الشعبية بمحافظة الجيزة المصرية، وهي العادة التي ورثتها عن والدها وورثتها لبناتها بدورها بعد زواجها.

وأوصت عايدة بناتها بأن يسرن على دربها ويُشاركن المسلمين الثواب والعادة الرمضانية التي ينتظرها كل المصريين، حيث باتت الموائد الرمضانية عادة مصرية خالصة لا تُفرق بين مسلم أو مسيحي.

لا يوجد تاريخ مُحدد لنشأة موائد الرحمن في مصر، وإن أرجعها المؤرخون لعصر الدولة الطولونية قبل 11 قرناً، إبان عهد أحمد بن طولون، والذي كان يُنظم الولائم للتجار والأعيان، ويفتحها مجاناً للفقراء والمساكين، وبعدها جاءت الدولة الفاطمية لتستكمل المسيرة في عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي الذي أقام أطول مائدة بطول 175 متراً، وكانت الأطعمة تخرج من قصر الخليفة، لتُوزع على الفقراء والمساكين في الحواري والأزقة.


وتوالت موائد الرحمن في العصر الحديث بإشراف من بنك ناصر الاجتماعي، حتى تولت الجمعيات الخيرية إقامتها بتبرعات الزكاة والصدقات، إضافة لبعض المواطنين الذين يُقيمونها في ربوع المحروسة.



تكافل


على مقربة من حي بولاق الدكرور الشعبي، تعيش مارسيل ابنة عايدة في منطقة أرض اللواء، والتي كانت تساهم في مطلع رمضان بجزء من مالها في مائدة الرحمن في منطقتها كما أوصتها والدتها، لكن مع تفشي فيروس كورونا المُستجد لم تستطع المُشاركة هذا العام بسبب تأثر الوضع الاقتصادي لزوجها، وتركها العمل حيث كانت تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات، لذا فكرت في وسيلة أخرى للمساعدة في موائد الرحمن، والتي ألغيت أيضاً جراء انتشار الفيروس.

وتقول مارسيل لـ"الرؤية "فكرت أن أطهو 5 وجبات مما أعده يومياً لأسرتي مهما كانت كمساهمة مني لدعم إخواني المسلمين الصائمين، وأقوم بتوزيعها على من أعرفهم من المحتاجين".

أوحت جارة مارسيل أم علي لها بالفكرة، فهي تُشرف على مطعم لـ"الأكل البيتي"، وتجهز يومياً وجبات زهيدة السعر، يبلغ سعر الواحدة نحو 20 جنيهاً مصرياً، تطهوها بنفسها، ويحجزها آخرون لتوزيعها على بيوت الفقراء والمحتاجين، والعمال الذين تأثر عملهم جراء تفشي كورونا.

وتقول أم علي "لا أحصل على مقابل مادي سوى ثمن الوجبة الأصلي، ولا أحصل على مُقابل لعملي في الطهو، فشهر رمضان هو شهر التكافل الذي نُشارك فيه جميعاً، كُل قدر استطاعته."



خد فطارك.. وخليك في البيت

ومن مارسيل وعايدة وأم علي، كانت هناك قصة أخرى ترسخ معنى التكافل في المُجتمع المصري في مدينة الغردقة المصرية، حيث اعتاد رجل الأعمال القبطي محارب عجايبي، تنظيم مائدة رحمن بشارع النصر بالمدينة منذ أكثر من 10 سنوات، عندما استقر بالغردقة قادماً من الأقصر.

"خد فطارك.. وخليك في البيت" كان شعار حملة عجايبي هذا العام، حيث يقوم بتوزيع الطعام على المحتاجين بمساعدة الشرطة المصرية، ويستهدف في الأساس المتضررين من أصحاب المهن الحرة، والعاملين في مُستشفيات الحجر الصحي والحميات، إضافة للأسر الفقيرة التي يتم التواصل معها عن طريق إحدى الجمعيات الخيرية.

ويقول عجايبي لـ"الرؤية": "أُقيم تلك المائدة سنوياً، لكن ظروف تفشي فيروس كورونا منعتنا من إقامتها إعمالاً للإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة المصرية، لذا كان التوزيع على البيوت هو الحل."

ورفض رجل الأعمال المصري الإفصاح عن عدد الوجبات التي يوزعها يومياً، واستطرد "الثواب لا يصح تداوله، وشهر رمضان يخصنا جميعاً."

ويُقيم عجايبي مائدة أخرى للإفطار بمدينة الأقصر حيث مسقط رأسه، وتعمل أيضاً بنظام الدليفري شهر رمضان الحالي.



معنى الإحسان

ومن الغردقة إلى مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية المصرية شرق الدلتا، أنشأ مهندس الديكور المصري كريم فودة مطبخاً خيرياً بجهود ذاتية، لخدمة الطلبة المغتربين والعمالة اليومية، يعمل المطبخ يومياً بطاقته الكاملة طوال السنة، وليس في شهر رمضان فقط.

ومع تفشي فيروس كورونا المستجد، اتخذ المطبخ إجراءات احترازية عدة أهمها تعقيم الوجبات الغذائية، وتقليص عدد الشباب المتطوعين للطهو والتوزيع، فكل يوم يختار كريم 10 أشخاص فقط للطهو، ومثلهم لتوزيع الوجبات، ومع دخول شهر رمضان أخذ في توزيع الطعام على بيوت المحتاجين.

ويقول كريم "الجميع يُشارك في الفكرة التي بدأت منذ 6 سنوات، نقدم جميع أنواع الطعام، حيث تقوم فكرة مطعمنا على تطبيق معاني الإحسان، فالطعام ليس مجرد وجبة توضع داخل مُغلف، لكنها تتجاوز ذلك، حيث نتصل يومياً بالأسر التي يتم توزيع الطعام عليها، لنسألهم عن رغباتهم في الأكل، أحياناً نصنع لهم بيتزا، أو معجنات مختلفة، أو لحوماً، يخبروننا عما يتمنون تناوله، لننفذه لهم بكل أريحية، فشعارنا "ازرع خيراً تحصد خيراً".

ويقوم مطبخ التكية على التطوع بشكل كامل، ويتخذ عدداً من الإجراءات الاحترازية من تعقيم المتطوعين قبل دخولهم، وتعقيم الأدوات، مع وجود طبيب متطوع لمتابعة الأداء واتباع أساليب مكافحة العدوى.

ورغم نقص الخامات أحياناً إلا أن مؤسس المطبخ الخيري يتمنى ألا يتوقف المطبخ عن إمداد المحتاجين بالأطعمة في الشهر الكريم وغيره.