الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الإفطار في شارع الحي.. تقليد رمضاني سوداني بدده «كورونا»

اختفت في السودان مظاهر رمضانية كانت تتميز بها البلاد أيام الشهر الفضيل بسبب الإجراءات الوقائية المعلن عنها والمنفذة تحوطاً من فيروس كورونا المستجد والتي اشترطت التباعد الاجتماعي والتزام الحجر المنزلي، في وقت أكد فيه مختصون أن الجائحة والإجراءات المصاحبة لها غيرت ـ وستغير أكثر مستقبلاً ـ في حياة المجتمع السوداني ونمط عيشه.

من هذه المظاهر الرمضانية إفطار السودانيين في الشوارع وهي من العادات والتقاليد الرمضانية الراسخة التي رغم اختفائها من بعض أحياء العاصمة الخرطوم القليلة إلا أنها تنتشر في أغلب أحياء العاصمة والولايات وتكثر في الأرياف.

ويسكن أغلب السودانيين في مبانٍ أفقية ولا يحبذون الشقق أو البنيان الرأسي والمباني الضخمة، وكل مربع حي في السودان يتكون من 6 إلى 7 صفوف من المنازل تقابلها مثلها، فيُخرج كل منزل مائدته الرمضانية إلى الطريق قبل الأذان بدقائق ويضمها لبقية طعام جيرانه وينتظرون الأذان وهم يترقبون الشارع ليلتقطوا ماراً قطعه الطريق فلم يلحق الإفطار معهم، أو محتاجاً يتعفف السؤال.

وفي القرى التي تجاور الطرق السفرية يحمل الناس طعامهم وشرابهم ويتحلقون في حلقات ويوقفون العربات والباصات بأن يفصل شخصان الطريق العام بعمامة يمسك كل واحد منهما طرفاً ليجبروا من لم تسعفهم الظروف للوصول إلى منازلهم مبكراً ساعة الإفطار على الوقوف جانباً وتناول الإفطار.

لكن كورونا أوقفت كل ذلك، وهو ما لم يعتد عليه السودانيون، كما توقفت صلوات الجماعة وحلقات التلاوة وصلاة التراويح في المساجد بعد قرارات وزارة الصحة السودانية ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

اختفاء الإفطار الجماعي

سكان القرى والبلدات على طول الطرق السفرية هم الأكثر حرصاً على هذه العادة يرون فيها ضرورة دينية واجتماعية لإكرام الضيف وعابر السبيل.

في مناطق وقرى ولاية الجزيرة في وسط السودان والتي تقع جنوب الخرطوم مباشرة وعلى طول الطرق السفرية الممتدة من العاصمة إلى الولايات الشرقية والجنوبية، يتم إيقاف الباصات السفرية وحتى الشاحنات التي تنقل البضائع وإجبار الركاب على التوقف للإفطار ثم مواصلة طريقهم ومع إعلان حظر التجول والإغلاق التام اختفت هذه العادة بسبب الالتزام بالإجراءات الوقائية من ناحية وبسبب الإغلاق الكامل وتوقف السفريات من ناحية أخرى.

ولأن طابع الكرم متأصل في أهلها، ابتكر سكان القرى حلولاً جديدة، حيث يضعون بعض الأطعمة والمشروبات بطريقة ظاهرة على الطريق العام لبعض المسافرين وسائقي الشاحنات المسموح لهم بالتحرك وفق تصاريح قانونية.

الصلوات والعبادات

مصطفى البخيت 44 عاماً، ويَتبع الطريقة الختمية ـ وهي طريقة دينية صوفية ـ ويسكن في قرية على الطريق السفري بين العاصمة الخرطوم ومدينة الكاملين التي تقع 80 كم جنوباً، أكد لـ«الرؤية» أن تفاصيل حياتهم اليومية تغيرت تماماً بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية وحظر التجول والإغلاق الكامل والتزامهم البقاء في المنازل فلا حلقات تلاوة في المسجد ولا إفطار جماعياً كما في السابق وحتى الإفطار على الطريق السفري توقف لحد كبير.

وأضاف: سنوياً ننظم حلقات تلاوة ونحرص على صلاة الجماعة والتراويح، الآن توقفنا عن ذلك، الدين الإسلامي يحثنا على أن نحافظ على النفس وحمايتها من الهلاك وأسبابه، والدين الإسلامي دين سَمح وفيه سعة وتخفيف، نعم هناك من يخالفون الإجراءات الصحية ويصلون جماعة في ساحات صغيرة وتحدثنا إليهم عن خطورة ذلك وأن لهم رخصة يجب أن يعملوا بها.

وضع قاسٍ

النذير الأبوابي صاحب الـ31 سنة من سكان مدينة خشم القربة ـ تبعد حوالي 500 كم من العاصمة الخرطوم وتقع شرق السودان ـ أوضح لـ«الرؤية» أن هذه الإجراءات فرضت عليهم وضعاً قاسياً جداً غير معتاد بالنسبة لهم لترابطهم الاجتماعي وحرصهم على تمضية ساعات المساء الرمضانية في تجمعات تبدأ مع ساعة الإفطار والخروج للشوارع والجلوس في حلقات وشرب القهوة.

وقال في حديثه: الشوارع صارت خالية عدا قلة تخرج لإكرام من يمر ساعة الإفطار والمقاهي والأندية مغلقة تماماً.

وتابع: هذا أول رمضان نعيشه بهذه الطريقة، ولكن بالطبع نحن في حالة حرب مع وباء أهم الأسلحة لمواجهته هي التباعد الاجتماعي، وأنا شخصياً لم أعد أخرج إلا للضرورة ولكن المجتمع الذي أعيش فيه يكسر بعض أفراده الإجراءات الوقائية.

التضامن

سحر محمد أحمد ربة منزل في الـ34 من العمر وتسكن في مدينة أم درمان في العاصمة الخرطوم، نوهت في حديثها لـ«الرؤية» بأن تفاصيل كثيرة اختلفت بالنسبة لها خاصة في إعداد الإفطار وأداء صلاة التراويح في مسجد الحي المجاور لمنزلهم.

وقالت: كنت أعد مائدة ليخرج بها زوجي للإفطار مع الجيران في الشارع وأخرى لنا في المنزل، في الوقت الحالي أعد مائدة واحدة وأشعر كأننا بخلاء لسنا معتادين على ذلك.

وأضافت: لجأنا في الحي إلى إعداد الطعام وإرسال بعضه للجيران وتقديمه كنوع من التضامن فنحن لا نعرف ظروف بعضنا البعض.. قد تكون هناك أسرة تعاني من ظروف صعبة وذلك يزيل الحرج ويضمن ألّا يبيت أحدنا وجاره محتاج.

تغير مفاجئ

من جهته، أكد استشاري علم الاجتماع د. خضر الخواض لـ«الرؤية» أن المتغيرات التي حصلت في السودان ليست بمعزل عمّا يحصل في العالم بسبب كورونا، حيث أوقفت دول كثيرة التجمعات الدينية، إلا أن بعض السودانيين لم يلتزموا بوقف الصلوات في المساجد رغم ما أعلنته وزارة الصحة والشؤون الدينية والأوقاف بوقف التجمعات الدينية.

وأوضح أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التوعية الدينية والصحية على حد السواء، مشيراً إلى أن جائحة كورونا صادفت أوضاعاً اقتصادية سيئة جداً تعيشها البلاد ما يضطر بعض الفئات لا سيما الفقيرة وأصحاب الأعمال الصغيرة للخروج والعمل وأيضاً صادف ذلك أزمات الخبز والوقود وهي مشاكل ملحة يجب أن تضع لها الحكومة الانتقالية حلولاً.

وأضاف الخواض أن أنماط العيش في المجتمع السوداني والأنشطة الاقتصادية تعتمد أكثر على المخالطة الاجتماعية.

وختم حديثه قائلاً: الأزمات والنزاعات والكوارث والأوبئة تُحدث تغييرات مفاجئة في حياة الناس وهو ما حدث للسودانيين بالضبط، والإشكال هو أن الموروثات الاجتماعية في السودان تجدها تتعارض مع الإجراءات الصحية للوقاية من كورونا.