السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«الرحمتات» عادة سودانية تكافلية في طريقها للانقراض بسبب الفقر وكورونا

يحاول السودانيون دائماً أن تكون مناسباتهم المبذولة للتصدق في أشكال تكافلية تشرك كل أفراد المجتمع، فلا يحس الفقير بفقره ولا يستطيل الغني بغناه.. لذا تجدهم في رمضان يفطرون جميعهم في شارع الحي، وفي العيد يتبادلون الأطعمة فيما بينهم، وبين رمضان ورمضان وعيد وعيد يصنعون مناسبات دينية تجمعهم وعابري السبيل في موائد مشتركة.

الرحمتات أو «عشا الميتين» إحدى المناسبات التي تُصنع في آخر يوم خميس من رمضان، في (ليلة الجمعة اليتيمة)، وهي عادة سودانية قديمة ارتبطت بإحياء ذكرى المتوفين والتصدق إكراماً لهم بذبح الذبائح وتوزيع اللحم والطعام والتمر على الأطفال والمحتاجين والفقراء.

هذه العادة ومع متغيراتٍ حياتية واجتماعية واقتصادية كثيرة أصبحت منسيةً في أغلب الأُسر، حيث أثَّرت جائحة كورونا على توقف الكثير من العادات الاجتماعية، كما أن الفقر والاقتصاد المتردي في البلاد منذ سنوات جعل الكثير من العادات التي تعتمد على الإنفاق تتوقف.

وبحسب تفسيراتٍ محلية، فإن كلمة «الرحمتات» هي تحولٌ لعبارة «الرحمة تأتي أو الرحمة جات»، وفي ليلة الجمعة اليتيمة تُذبح الذبائح أو تُشترى اللحوم لصنع الفتة «الثريد» ويُقدَّم مع الطعام عصير البلح في أواني فخارية تُسمى الكنتوش وتكون الرحمتات دائماً في وقت الإفطار.

وتُحمل أواني الطعام أيضاً لخلاوي تعليم القرآن الكريم ودور الأيتام والمساجد أو يتم دعوة الناس إليها والتجمع في منزل الأسرة الكبير.

يوم الرحمتات يعد عيداً للأطفال على وجه التحديد، فهو يسبق عيد الفطر بأيام قليلة وربما بيوم أو يومين فيتجولون من منزلٍ لآخر وهم يغنون بفرحٍ ويطرقون الأبواب ويستعجلون ربات المنازل في تقديم «الحارة» لهم وهو اسم محلي لطبق "الفتة أو الثريد".

الظروف الاقتصادية

أبوالقاسم يحيى وهو موظف متقاعد في الـ67 من عمره ويقطن حي الجريف شرق العاصمة الخرطوم أكد لـ«الرؤية» أن الرحمتات عادة أصيلة جداً في المجتمع السوداني وتعبر عن تعاضد وترابط الناس فيما بينهم.

وأضاف: هذه العادة لم تعد كما السابق ومع التغيير الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية الصعبة، هناك كثير من العادات أصبحت أقرب لأن تختفي.

وقالت هادية أحمد عمر وهي ربة منزل في الـ33 من عمرها تعيش في قرية تبعد 80 كم جنوب العاصمة الخرطوم، إن عادة الرحمتات لم تعد تجد الاهتمام مثل السابق وأن الزمن اختلف كثيراً، وذكرت أنها كانت تخرج وهي صغيرة مع أقرانها لطلب الفتة وتتجول من منزل لآخر فيتم إكرامهم من أهالي الحي.

وأضافت: الآن أطفالي لا يعرفون شيئاً عن الرحمتات، فأنا لا أحيي هذه العادة ولا جيراني ومن الطبيعي جداً ألا تعرفها الأجيال الجديدة وأتمنى أن يهتم بها الناس، فهي تعبير حقيقي عن جوهر ما يدعو له الدين الإسلامي من فعل الخير.

اختفاء كثير من العادات

وقالت استشاري علم النفس الدكتورة مي الأمين النجومي، إن هناك كثيراً من الأسر تهتم بهذه العادة من منظور نفسي وثقافي واجتماعي، حيث إن لها فوائد مؤكدة فهي سلوك تكافلي، وهي صدقة تتم وفق عادات اجتماعية يتميز بها السودانيون في حياتهم اليومية.

وأشارت النجومي إلى أن كثيراً من العادات أوشكت أن تختفي لأسباب متعلقة بتغير أنماط الحياة وبتحول الناس للسكن الرأسي، وللأوضاع الاقتصادية التي ظلت في تراجع منذ سنوات مضت فأثَّرت على كثيرٍ من العادات.

وذكرت أن جائحة كورونا أثَّرت على حياة الناس، وكما ظهر أثر التباعد الاجتماعي في مظاهر رمضانية كثيرة مثل الإفطار في شارع الحي الذي توقف، فلن تكون الرحمتات استثناء، مشيرة إلى أن الوباء سيؤثر على سلوكيات الناس مستقبلاً، ولكن لا يعرف بالضبط كيفية هذا التأثير، فربما زاد ترابطهم لتحسرهم على بعدهم بسبب الحجر، أو تحول بعضهم للعزلة نتيجة لابتعادهم كثيراً عن بعضهم خلال الحظر.