الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الأمل.. فريق كرة لـ«مبتوري القدم» يتغلب على وطأة الحرب السورية بحياة جديدة

حياة طبيعية عاشها صلاح بيطار الشاب السوري ذو الـ23 عاماً قبل أن تصيبه قذيفة هاون أثناء وقوفه أمام منزله في مدينة الرقة شمال سوريا، والتي كانت معقلاً لتنظيم داعش الإرهابي قبل طرده منها.

تزوج الشاب السوري بعد قصة حب من إحدى جاراته، عاش حياته كأي شاب، ففي الصباح يذهب لممارسة عمله مع والده الذي يعمل في تجارة السيارات وفي المساء يأنس بزوجته وعائلته الصغيرة المكونة من أبيه وأمه وأخته وزوجته.

«الرياح تأتي بما لا تشتهيه السفن»، ربما هي مقولة تكون أخف تعبيراً لما حدث بحياته، حيث أُصيب الشاب العشريني بقذيفة هاون أثناء وقوفه أمام منزله، فقد خلالها قدمه اليمنى.

ويقول صلاح لـ«الرؤية»: «أُصبت بالصدمة بعد فقد قدمي، كنت أعتقد أنه اليوم الأسوأ في حياتي على الإطلاق، لم أكن أعرف أن الأسوأ لم يأتِ بعد».

ما حدث بعد ذلك لا يتحمله بشر، حيث قُصف منزل البيطار، ومات جميع أفراد أسرته، وكان وزوجته الناجيين الوحيدين.

يسترجع ذكراه الأسوأ «حينها لم أستطع إخراج أهلي من تحت ركام المنزل لأقوم بدفنهم، تركت الرقة، حاولت الابتعاد قدر الإمكان لأبعد مكان يمكن أن تصل إليه قدمي المبتورة».

عندما يموت أحد أحبائنا فإنهم يسبقونا إلى الجنة، وعندما يُبتر جزء منا يسبقنا أيضاً إلى هناك، هذا هو المنطق الذي يتبناه صلاح للتغلب على أزمته النفسية في «الفقد»، فقد الأسرة، وفقد جزء من الجسد، لكنه في الوقت ذاته يرى أن الموت راحة.

كانت مدينة «إدلب» شمال غرب سوريا هي النقطة الأخيرة في رحلة صلاح وزوجته للهروب من ذكرياته التي لا يستطيع توصيفها ويتمنى لو عاد الزمن به ليُغيرها، حد تعبيره.





بصيص أمل

هناك لم يستطع صلاح الالتحاق بكلية الطب بعد فشله في استخراج ما يفيد نجاحه في شهادة «البكالوريا» كي يستطيع بدء حياة جديدة، وهو ما أضاف وجعاً على أوجاعه السابقة، لكن بصيصاً من أمل أعاد القليل من البسمة لحياته مرة أخرى بعدما التحق بفريق كرة قدم شُكل خصيصاً لمساعدة من فقدوا أطرافهم جراء الحرب الدائرة في سوريا، تحت اسم «الأمل».

كافة اللاعبين من مبتوري الأطراف جراء الحرب الدائرة في سوريا، ويمارسون الرياضة بكافة أنواعها متغلبين على الإصابة.

تتواصل المنافسة خلال المباراة بحركات ماهرة يؤديها اللاعبون، يقومون بتمرير الكرة وهم مستندون على عكازاتهم، قبل أن يسدد أحد لاعبي الهجوم بحماس.

«أحيانا أركض بعكازي، وأَهم لركل الكرة برجلي اليسرى، لكن أتذكر أنها مبتورة». يقول صلاح لـ«الرؤية».





فلسفة حياتية

حياة جديدة يعيشها صلاح ورفاقه من مركز المعالجة الفيزيائية في مستشفى الداخلية التخصصي بإدلب، بالتعاون مع منظمة «شفق» ونادي «أمية» الرياضي.

مؤسس الفريق مرعي شيخ الحدادين يرى أن حياة الإنسان يجب ألا تتوقف عند فقد أحد أطرافه بل بالعكس يجب أن يتغلب على ذلك الفقد بكل الطرق المساعدة، وهي الفلسفة الحياتية التي نجح في إيصالها لفريقه من «المبتورين».





شهرة عالمية

تخرج صاحب الفكرة من معهد التربية الرياضية في حلب عام 2008، وعمل إعلاميًا مع «الهيئة السورية للرياضة والشباب» في وقت سابق، ودرّس التربية الرياضية باعتباره بطل جمهورية بسباق 200 متر ألعاب قوى، وحكم درجة أولى بكرة القدم منذ عام 2011، ومعالج فيزيائي.

ويقول لـ«الرؤية»: «عملنا بالعلاج الفيزيائي مرتبط بالحركات الرياضية، فأردت إدماج أصحاب الهمم في المجتمع بإنشاء هذا الفريق، الذي حقق شهرة عالمياً، حيث قدم نادي (بلاكبيرن روفرز) الإنجليزي لباساً كاملاً للفريق، في لفتة إنسانية رفعت من معنويات أعضائه كثيراً».

وعن الدعم المالي للفريق يوضح «لا يوجد دعم مالي سوى من فاعلي الخير، ويكون لحجز الملاعب وشراء الطاولات أو ملابس أو عصائر أثناء المباريات، وأتمنى أن يستطيع كل من فقد أحد أطرافه أن يحصل على طرف صناعي، وأن يتم دعمهم لذلك».





التدريب رغم كورونا

وبالنسبة للتعامل أثناء تفشي وباء كورونا «كوفيد-19» عالمياً، فإن مدرب الفريق ما زال يسير مع أعضاء فريقه وفق برنامج متكامل وتدريبات خاصة لكل نشاط رياضي، «فكورونا ليست منتشرة لدينا، ولا بد من التدريب المُستمر للمبتورين، كي يستطيعوا الاستمرار في حياتهم» يلفت شيخ الحدادين.

ويأمل إنشاء نادٍ رياضي خاص بمن فقدوا أطرافهم لمساعدتهم على تخطي محنتهم وبدء حياتهم من جديد، وعودة النشاط الرياضي في سوريا مرة أخرى.