السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تطبيقات المراقبة.. عين الآباء على سلوكيات الأبناء في الفضاء الإلكتروني

تطبيقات المراقبة.. عين الآباء على سلوكيات الأبناء في الفضاء الإلكتروني

فرض انتشار فيروس كورونا المستجد، ودخول الأسر في حجر منزلي، امتثالاً للإجراءات الاحترازية التي فرضها، إقبالاً كبيراً من الأبناء على العالم الافتراضي والألعاب التفاعلية وقضاء أوقات طويلة على تطبيقات التواصل الاجتماعي، ما يجعلهم عرضة للتنمر والاحتيال الإلكتروني، ما دفع أولياء أمور إلى انتهاج أساليب تربوية مبتكرة تمكِّنهم من متابعة سلوكيات الأبناء عبر تطبيقات المراقبة، التي تتيح لهم التعرف إلى تفاعلات الأبناء مع الغرباء وتحذيرهم من أي مخاطر قد يتعرضون لها.

وفي الوقت الذي وُجدت فيه تطبيقات المراقبة لأغراض توجيهية وتربوية تضمن أمان الأبناء في الفضاء الافتراضي، حذَّر خبراء تربويون عبر «الرؤية» من سوء استخدام هذه التطبيقات ليتعدى إلى التسلط والفضول والتنقيب في أسرار الأبناء والتجسس على سلوكياتهم، ما ينتج عنه أبناء غير قادرين على صنع القرار ومنعزلين وعديمي الثقة في أنفسهم.

فيما يرى أولياء أمور، استطلعت «الرؤية» آرائهم، أن مراقبة سلوكيات أبنائهم وتتبع تحركاتهم حق مشروع يمكنهم من المحافظة عليهم من الانجراف في طرق ملتوية ومرافقة أصدقاء سوء، أو تعرضهم للتنمر الافتراضي، مؤكدين أن تدخلاتهم لا تتعدى المراقبة المتزنة المعتمدة على التوجيه والإرشاد عند ملاحظة عادات وتصرفات غريبة تطرأ على سلوكيات أبنائهم.



حق مشروع

قال عبدالرؤوف مصطفى، أب لطفلين إن الظروف الاستثنائية التي فرضها انتشار فيروس كورونا على كافة الأسر والتزام الأبناء بالمكوث في المنزل، جعلت الأبناء يتجهون أكثر إلى العالم الافتراضي لقضاء أوقات فراغهم، ما جعلهم عرضة لمخاطر التنمر والاحتيال الإلكتروني، لذلك يتمسك الآباء بحقهم المشروع في مراقبتهم، حتى إن وصل الأمر لاتهامهم بالتجسس على الأبناء، فالغاية تبرر الوسيلة.

وتابع مصطفى: «شعور الابن بأن أعين والديه حوله وترافقه في كل زمان ومكان يجعله أكثر التزاماً بالسلوك القويم، لأن عدم شعور الأبناء بعين المراقبة أهم الأسباب التي تدفعهم إلى الضياع وتجعلهم مطمعاً لكثير من الفاسدين».





مراقبة متزنة

ويرى أيهم عبدالقادر، أب لثلاثة أطفال: «الأبوان هما طرفا العملية التربوية، وهما الترمومتر الذي يكشف مؤشره أي اعوجاج في سلوكيات أبنائهم، ليتمكنوا من التدخل السريع حتى لا تستفحل المشكلة وتتحول لأزمة لا يمكن حلها ومعالجتها»، موضحاً أن المراقبة المتزنة أحد أساليب التربية الصحيحة، خاصة بعد أن ترك للأبناء حرية التعامل مع العالم الافتراضي، شريطة أن يكون هذا التدخل والمراقبة متزنَين ومعتمدَين على التوجيه والإرشاد عند ملاحظة سلوكيات غريبة.



كتاب مفتوح

وتؤكد المعلمة ماريتا مرقص أنه من حق الأم أن تطلع على حياة أبنائها، وأن تكون تفاصيلها كتاباً مفتوحاً أمام أعينها، فهي المسؤول الأول والأخير عن تربية الأبناء، ومحط اللوم من قبل المجتمع إذا وقع أحد الأبناء في هوة الانحراف، لذلك فإنها لم تتردد لحظة واحدة في تثبيت تطبيق على هاتف بناتها لسماع مكالماتهن الهاتفية، والاطلاع على حساباتهن الإلكترونية ومحادثاتهن مع صديقاتهن، وذلك ليس بغرض الفضول، ولكن لمتابعتهن ومعرفة محيط علاقاتهن.





توجيه لا فضول

ولا يؤيد ربيع صعب، أب لثلاثة أبناء في مراحل عمرية متباينة، فكرة المراقبة العمياء لكافة تفاصيل حياة الأبناء، قائلاً: «أؤيد مبدأ مراقبة الأبناء بشكل معتدل متوازن يضمن للأبناء قدراً كافياً من الحرية ويحافظ على خصوصياتهم، وفي الوقت نفسه تقديم يد العون لهم عند انحرافهم عن الطريق القويم، رافضاً بعض الأساليب التجسسية المرضية التي تتبعها بعض الأمهات للتنقيب في أسرار أبنائها والاطلاع على كل كبيرة وصغيرة في حياتهم، ليتحول الموضوع من مجرد توجيه ومراقبة إلى فضول يجعلها تخترق حساباتهم الإلكترونية وهواتفهم النقالة.





خلط مرفوض

فيما يرى محسن محمد، أب لثلاثة أبناء في المرحلة الجامعية، أن هناك فرقاً كبيراً بين المراقبة والتجسس على الأبناء، رافضاً الخلط بينهما، فالمراقبة تعني التقرب من الابن ومعرفة شخصيته وسلوكياته وطريقة تفكيره ورغباته وميوله، وعادة ما تلقى ترحيباً من الابن لأنها تكون معلنه ومباشرة، والهدف منها النصح والتوجيه، أما التجسس فهو سلوك مَرضي يمكن أن يسيطر على بعض الآباء عديمي الفطنة والذكاء التربوي.

وتابع: «الحماية الزائدة للأبناء مثل الإهمال لهم، كلاهما يعد خطأ تربوياً يهدِّد البناء العقلي والاجتماعي للابن، فالمراقبة والتجسس تخلق جيلاً من الأبناء مهتزي الشخصية غير قادرين على اتخاذ القرارات والتعامل مع الآخرين».





أسلوب تربوي

أوضحت أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة آمال النمر، أن التربية الصحيحة للأبناء من أهم الأمور التي ينبغي على الوالدين مراعاتها والاهتمام بها، فالأطفال هم نواة الأمة وبصلاحهم يصلح المجتمع وبفسادهم يحدث ما لا تحمد عقباه.

وأضافت أن هناك فرقاً كبيراً بين مفهوم المراقبة والتجسس، فالمراقبة في علوم التربية يُقصد بها متابعة الأبوين لسلوك الابن بغرض التعرف إلى المشكلة التي يمر بها، والتدخل السريع والمبكر والتوجيه والإرشاد قبل أن يتورط الطفل في خطأ أكبر.





تمرد وانطواء

وأشارت النمر إلى أنه عندما يشعر الطفل بأن عين أمه وأبيه تلاحقه، يجد نفسه أمام طريقين لا ثالث لهما، إما مواجهة هذه المراقبة بعناد يصل إلى العنف والتمرد وعدم الانصياع لنصائحهم وإرشاداتهم، أو الانطواء والانسحاب وفقدان القدرة على المواجهة والاعتراف وتحمل نتائج أخطائه، فالمرحلة العمرية التي يمر بها الأبناء هي التي تفرض شكل وحدود المراقبة التي يتبعها أولياء الأمور.





حماية لا تطفل

بينما يرى الخبير التربوي عمر الحمر، أن لجوء بعض الأسر إلى التطبيقات الإلكترونية لمراقبة سلوكيات الأبناء والاطلاع على حساباتهم الإلكترونية فكرة صائبة، شريطة أن يتم إعلام الابن بذلك، ليدرك أن الهدف من المراقبة هو حمايته من أي خطر خارجي وليس من منطلق الفضول أو التطفل والتسلط.

وأكد أن للأبوين مطلق الحرية في مراقبة الأبناء، خاصة إذا كان بهدف توعيتهم وحمايتهم من أي خطر يمكن أن يهدد مستقبلهم كأصدقاء السوء أو العادات الخاطئة.



حرية مقننة

ونصح الحمر أولياء الأمور بضرورة إعطاء أبنائهم الحرية المقننة الخاضعة للشروط، وألا يتم اتباع أسلوب المراقبة المباشرة إلا إذا لاحظوا سلوكاً غريباً على الابن، ثم مصارحته وتوجيهه من خلال مد جسور الثقة معه، وعندما يستمر في اتباع سلوك غير محمود، هنا يتحتم إعلامه بأنه يخضع لمراقبتهم، فالهدف من المراقبة ليس التهديد والتخويف ولكن رجوعه إلى الطريق الصحيح.





رقابة ذاتية

وذكر الخبير التربوي أن الأهم من المراقبة الأبوية هو ترسيخ مفهوم الرقابة الذاتية في نفوس الأبناء، وتجنب اتباع نظريات اللوم التي تضع الأبناء دائماً في موضع اتهام وتجعلهم في حاجة مستمرة لتبرير مواقفهم، بحيث يضع الأبوان عقداً ثابتاً مع أبنائهم يتم من خلاله تحديد القواعد والحقوق والواجبات وأساليب العقاب والثواب التي لا بد أن يلتزم بها الجميع.