الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«من فات قديمه تاه».. مصريون يحترفون بيع «الأجهزة القديمة»

من فات قديمه تاه، حقيقة يواجهها كثيرون لا يستطيعون الابتعاد كثيراً عن ذكرياتهم بكل تفاصيلها، يحيون بقديمهم قبل حاضرهم، ذكريات تدفع أصحابها، لاستخدام أشياء عفى عليها الزمان، رغم ظهور أحدث منها وأسرع منها في الاستخدام والجودة، إلا أن طعم هذه الذكريات يبقى حائلاً دون هذا التحول، من القديم إلى الحديث، والبعض يستخدم كليهما حرصاً منه على إحياء حالة قديمة كانت تمتعه، ليبقى لكل منها زبونها، من هؤلاء، محمد عبدالله، الذي يستمر في بيع واستخدام أجهزة وشرائط الفيديو، يقول: «بالنسبة لي لها ذكريات معي كثيرة حلوة، لا أستطيع التخلص منها، أحتفظ بالشرائط حتى الآن، وأشاهدها، فمنذ التسعينيات وأنا أبيع أجهزة الفيديو، وأستمر في مشاهدة شرائط الفيديو التي أحتفظ بها منذ ظهور هذا الجهاز، وأشاهدها بشكل دوري مع أسرتي والجيران، ومن يأتي إلى بيتنا لمشاهدة الذكريات».

لا يحصل «عبدالله»، على أجهزة الفيديو التي يبيعها، بشكل ثابت، فلم تعد متوفرة كما كانت من قبل، فحين يريد بعض الشباب من ورثوا أجهزة الفيديو والشرائط عن أجدادهم مثلما ورثوا البيوت بيعها، يقصدون «عبدالله» لبيعها، فهم لا يمثل الاحتفاظ بمثل هذا الجهاز لهم شيء، وبين الحين والآخر يتوفر لدى «عبدالله» جهاز يبيعه، إلى أن حصل على شحنة تم مصادرتها منذ سنوات يبلغ عددها 400 جهاز فيديو، وقد أفرج عنها، وبيعت بسعر زهيد، فحصل عليها «عبدالله» من الجمارك، نظراً لطبيعة عمله، حيث يملك محلاً يبيع من خلاله مصادرات الجمارك».

لم يتبقَّ من أجهزة الفيديو التي حصل عليها «عبدالله» منذ عام، إلا 20 جهازاً، كان يعتقد أنه لن يشتريها أحد لأن كثيرين لم يعودوا يهتمون بالسابق، لكنه عندما اشتراها جاء الكثيرون لشرائها، فهناك من كان لديه شرائط ومناسبات مسجلة شرائط فيديو، اشتراها لمشاهدة ذكرياته، رغم وجود مراكز تحول شرائط الفيديو لأسطوانات dvd، أو نقلها للكمبيوتر، والاحتفاظ بها على «فلاشة».

ويقول «عبدالله»: لا أعرف سبب رغبة البعض في شراء أجهزة الفيديو، ومشاهدة الشرائط القديمة عليها، لكن أعتقد أن لها متعة مختلفة، لأني دائماً أشعر بها، عندما أشاهد هذه الشرائط، يبدو أنهم مثلي يسترجعون ذكريات كثيرة حلوة وهم يشاهدونها».

يتوقف أمر البيع والشراء عند «محمد عبدالله» على أجهزة الفيديو فقط، دون الشرائط، والذي يمتلك منها الآلاف حيث يصل عدد الشرائط التي يقتنيها أكثر من 10 آلاف شريط، لا يبيعها يحتفظ بها لنفسه، فالشريط منها عزيز عليه، لا يستطيع التفريط فيه.

يتابع: «من نحو أسبوعين، جاءتني سيدة وكانت تريد شرائط فيديو معينة، إلا أني أبلغتها بأنها ليست للبيع، فقد طلبت أفلام كرتون تصوير قديم لأحفادها، كانت تريد أن يشاهدوها عن طريق الفيديو، ورغم نصيحتي لها بوضعها على فلاشة أو على اليوتيوب، وأنها ستكون بنفس الشكل، رفضت وقالت إنها تريد أن يشاهدها أحفادها عن طريق الفيديو، فعرفت أن الذكريات ثمنها كبير، وأن هناك آخرين مثلي يستمتعون بالقديم، وحين أصرت على الشراء وألحت في طلب الشراء، عرفت أنه من الممكن أن يدفع كثيرون أموالاً كثيرة في أشياء قديمة، لاسترجاع الذكريات، أحاسيس مختلفة يشعرون بها لا يجدونها حين يشاهدون اليوتيوب المتوفر أمامنا، فشريط الفيديو له متعة مختلفة».

جهاز الفيديو، الذي كان يبيعه «عبدالله» بـ3 آلاف جنيه (نحو 200 دولار) في التسعينيات مستعمل من قبل، أصبح يبيعه الآن جديداً بـ200 جنيه مصري فقط (13 دولاراً)، يقول إن ثمنه كان باهظاً في البداية، أما الآن فلم يعد الطلب عليه كما كان من قبل، حينما تم الإفراج عن شحنة الأجهزة المصادرة، لم يعد ثمنها كما كان، فحصلت عليها بسعر زهيد وبعتها أيضاً بسعر زهيد، كما جاء له شخص اشترى منه نحو نصف الكمية.

أجهزة التلفاز القديمة

يجلس في حارة بشارع الشيخ ريحان في عابدين، بجواره عدد من أجهزة التلفزيون القديمة، منذ 20 عاماً، وهناك من يمر على عبدالرحمن صاحب السبعين عاماً، لشراء التلفزيونات القديمة، لعدم استطاعته شراء الجديد والحديث منها، ومنهم من يشتريها للاحتفاظ بها كتحفة قديمة، هؤلاء يطلق عليهم «عبدالرحمن»: «الناس الكئيبة»، يقول: «اشتري التلفزيونات القديمة وأصلحها لبيعها للناس «الغلابة»، حيث سعر التلفزيون 100 أو 150 جنيهاً (نحو 8 دولارات)، فالغلابة (الفقراء) لديهم من يبيع لهم أيضاً.

سعر التلفزيون القديم يزيد ويصل إلى 1000 جنيه، بحسب «عبدالرحمن»، إذا رآه الأغنياء على حد وصفه، الذين ينظرون إلى بعض القطع على أنها تحفة فنية، فهناك من يتجول منهم خصيصاً لتجميع هذه القطع القديمة.

ويوضح «عبدالرحمن»، أن ما يستطيع إصلاحه من هذه الأشياء يبيعها للأفراد، وما لا يستطيع إصلاحه منه يبيعه خردة للمصانع التي تعيد تدويره، فيخرج حديداً وصفيحاً.

بروح هاوية، ينظر«حسن تركي» إلى القطع القديمة من التليفونات الأرضية التي يملكها، والتي يحرص على شراء ما يقع منها أمامه غير عابئ بسعرها، ومن ثم بيعها مرة أخرى لمن يقدرها، أو الاحتفاظ بها، يقول «تركي»: «أنا هاوٍ، لا أبيع، أجمعها، وآخذها من المزادات والتجار وأصحابها، فأنا لست تاجراً، هذه مهنة والدي، لو لم يتوفر من التليفون سوى قطعة واحدة، أحتفظ بها».

ويمتلك تليفوناً منذ عام 1887، يحتفظ به لنفسه، فهو يعتز بهذه القطع للغاية، يقول: «تمثل هذه القطع النادرة روحي وحياة أبي، فأنا لا أجري وراء المادة، لو كان الأمر كذلك، ما احتفظت بهذه الأشياء، لكن نحن على قديمه، على طبيعتنا».

في 37 شارع العطار بالعتبة من شارع الأزهر، تجد الوفود السياحية تذهب لمحل «حسن تركي» القاطن هناك، قبل التجوال داخل خان الخليلي والحسين، يشاهدون نوادرهم ومنهم من يتمسك بشراء إحدى القطع التي يبيعها إذا عرف أن بإمكانه الحصول على شبيهتها».

وأكمل «حسن» مشوار والده بعد رحيله، حيث واصل فتح محله المتواجد منذ خمسينيات القرن الماضي، يستقبل فيه السياح والمواطنين على حد سواء، الذين يأتون للتصوير، فمنهم من يريد استرجاع أيام جده، والتصوير مع ذكرى منها».

لدى تركي، أيضاً قطع لا يمكن أن تجدها الآن، فمازال يحتفظ بتليفون شارلي شابلن، وهو شبيه لذلك الذي استخدموه أيام السينما الصامتة، فمن عاش في الزمن الجميل يقدر قيمة هذه الأشياء، حسب وصفه، مشيراً إلى أن سعر تليفون كهذا يبلغ نحو 4 آلاف دولار، فهذه الأشياء لا يقدرها إلا القليلون، حسب قوله.

ويضيف«تركي»: «معظم الراغبين في شراء هذه الأشياء من الدول العربية، ونظراً لأجواء كورونا، ورحلات الطيران التي توقفت، توقفت حركة البيع، حيث إن قليلاً للغاية من المصريين من يقدر قيمة هذه الأشياء».