الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كورونا تضاعف جراحات السمنة .. وأطباء: هوس شبابي لمرضى «اضطراب تشوه الجسم»

تحولت جراحات السمنة، لا سيما في الفترة الأخيرة المرتبطة بحجر كورونا، والدوام والدراسة عن بعد، وتداعياتها، من وسيلة للتخلص من السمنة وعلاج للسكري والضغط إلى موضة وهوس لدى شباب ممن يبحثون عن الرشاقة دون بذل أي مجهود، الأمر الذي اعتبره أطباء، مؤشراً يستدعي تدخل الطب النفسي.

وتباينت آراء شباب، استطلعت «الرؤية» آراءهم حول عمليات السمنة، بين التأييد والرفض، فمنهم من اعتبرها حلاً بسيطاً ولا مشكلة في مواجهة أي مضاعفات صحية، ومنهم من عانى الأمرين، ويتمنى لو أنه لم يقدم على هذه الخطوة.

لكنهم اتفقوا على ضرورة إجرائها في حالات الوزن الزائد، والذي تصاحبه بعض الأمراض مثل السكر وضغط الدم وأمراض القلب، مشيرين إلى أن هوس القوام المثالي بطرق سهلة وأقل كلفة دفع بعض الشباب ممن لا يعانون سمنة مفرطة إلى اللجوء إلى هذه العمليات.

ودعا أطباء، الشباب الذين يصرون على تدخل جراحي في الوقت الذي لا يحتاجونه، إلى زيارة طبيب نفسي، مشيرين إلى أن ذلك يعود لمشاكل نفسية تنبع من قناعات داخلية لا صلة لها بالواقع تدعى «اضطراب تشوه الجسم»، وهو مرض نفسي يتخيل فيه الشخص بأنه يعاني من عيب خلقي وهو لا يعاني من أي شيء في الواقع.



حل مستحيل

ترفض مريم اليماني، 30 عاماً، مجرد التفكير في عمليات السمنة، لأنها تعتبرها من العمليات الخطرة التي يستحيل أن تميل إليها مهما بلغت مخاطر السمنة لديها، مشيرة إلى أن لديها خبرة سابقة مع صديقتيها اللاتي أجرين عملية قص وعملية تحويل مسار، وكلتاهما عانتا بشكل مختلف.

وأشارت إلى أن صديقتيها وصلتا للوزن المطلوب، لكن عانت إحداهما بعد الحمل بطفلها الأول، من عدم وجود مساحة لجلد البطن لكي يتمدد، أما الأخرى فبعد أن وصلت للنتيجة المرغوب بها، لم تواظب على النظامين الغذائي والرياضي، الأمر الذي أدى لعودة مستوى السمنة كما كان.





استنفاذ الحلول

يعترف الشاب عبدالرحمن زهير، الذي أجرى عملية تحويل مسار مؤقت منذ سنتين تقريباً، أنه كان السبب في فشل العملية لعدم التزامه بالنظام الغذائي وممارسة الرياضة.

وأشار إلى أنه عانى من العملية التي كانت عن طريق المنظار، حيث آلمه جرح في حلقه، وكذلك عانى من الوهن والهبوط وعدم قدرته على إنجاز مهام حياته اليومية في أول فترة بعد العملية، فضلاً على عدم قدرته على تناول الطعام، فكان يضطر لتناول محاليل بالمستشفى.

ويرفض زهير هوس بعض الشباب بهذه العمليات، مشيراً إلى أنها يجب أن تكون الحل الأخير بعد استنفاذ الحلول كافة، منوهاً بأنها ضرورية عندما يصل الوزن إلى حد مؤذٍ يجلب الأمراض، ويثبط العزيمة وقد يدفع صاحبه إلى الانتحار.





قرار صعب

انتظرت شذى محمد، 26 عاماً، عامين حتى تأخذ قرار إجراء عملية تحويل مسار مؤقت، والتي خضعت لها مؤخراً، مشيرة إلى أنها حاولت مراراً وتكراراً التخلص من مرض السمنة عبر الرجيم وممارسة الرياضة، إلا أنها فشلت.

ولفتت إلى أنها لجأت لمشرط الطبيب بعد أن وجدت صعوبة في العيش بحرمان مما تحب تناوله، وفي الوقت نفسه كانت تخشى أن تصاب بأمراض القلب والسكر نتيجة وزنها الذي تخطى الـ100 كلغ ولا تزال بالعشرينيات من عمرها، ولم تتزوج.

وتتعجب محمد من إقبال بعض الشباب الذين لا يعانون سمنة مفرطة على إجراء هذه العملية بدافع الهوس والتقليد الأعمى واللهث وراء القوام المثالي، كما يشاهدونه في الدراما والسينما.





حل سحري

وترى دانة محمد، 22 عاماً، التي خضعت لعملية قص المعدة، أن هذه العملية أهون وأفضل من عمليات تحويل المسار، خاصة وأنها تلغي وجود المعدة أو جزء كبير من الأمعاء.

وأشارت إلى أن قص المعدة حل سحري ساعدها كثيراً في التخلص من السمنة والوزن الزائد، وأن نظامها الغذائي أصبح أفضل بكثير من السابق، حيث اعتادت تناول كميات صغيرة بعد العملية.

وأكدت أن عمليات السمنة يجب أن تجرى للشخص المناسب فقط، بهدف مساعدته على خسارة الوزن الزائد، وتحسين نوعية حياته، ومعالجة الأمراض المرافقة للبدانة، أما إذا استطاع الشخص أن يتخلص من الوزن دون جراحات فبالطبع هي مع هذا الخيار.



معتقدات خاطئة

لم تتخيل آلاء صالح، التي أجرت قص معدة بالخارج، أن مضاعفات العملية ستصل لهذا الحد من السوء، حيث كانت تعتقد أنها مجرد عملية تصغر من حجم المعدة ولا يتأثر الجهاز الهضمي، إلا أنها سرعان ما نقص وزنها خلال الأشهر الأولى بعد العملية من 96 إلى 45 كلغ، واستمر لديها تساقط الشعر على الرغم من تناولها الفيتامينات والمكملات الغذائية.

وأضافت: «بدلاً من أنني كنت أعاني من عدم إيجادي لمقاس ملابس كبير، أصبحت أعاني بأن كل ما أجده بالسوق كبير ولا يوجد مقاس صغير يناسب حجمي بعد العملية».

وتتابع: لو أنني أعلم كل هذه المعاناة التي ستصيبني إثر العملية، ما أقدمت عليها.



كسل واستسهال

ترى الطالبة علياء عبيد، أن عمليات القص وتحويل المسار أصبحت هوساً بين الشباب والبنات على وجه التحديد نتيجة الكسل، واستسهال العملية كطريقة مؤدية للوزن المثالي دون بذل جهد بدني أو معنوي في ممارسة نمط غذائي صحي.

وقالت: «أعتقد أن حث الشباب على ممارسة الرياضة بانتظام في الجامعات والمدارس سيؤدي إلى تخفيف نسب السمنة وعمليات الجراحة من هذا النوع، ولا بُدَّ أن تكون ممارسة الرياضة إلزامية».

وتقترح إلزام الطالب بأداء ساعات معينة من الرياضة من أجل التخرج من الجامعة أو المدرسة.





شروط ومعايير

أوضح استشاري جراحة المناظير والسمنة، الدكتور خويلد عبد الحليم حسن، أن عمليات الجراحة لتخفيف الوزن تشترط معايير معينة، ولكل حالة مرضية حل يتناسب مع طبيعة كتلة الجسم، والتي يجب أن تبلغ 35 كلغ كحد أدنى.

وأشار إلى أن الأعمار المسموح بها لإجراء العمليات تبدأ من 12 سنة، فيما ترفع معاناة المريض من أمراض مثل السكر والضغط والقلب والمفاصل، فرص خضوعه لهذه العمليات.

وأكد أن هذا النوع من العمليات أصبح هوساً بين الشباب والفئات العمرية الصغيرة، خاصة أنها تمنحهم رشاقة دون بذل مجهود كبير، إلا أن ممارستهم لبعض العادات الصحية السيئة يحول من الحفاظ على نتائج العملية.

ولفت إلى أن هناك حالات عادت لنفس الوزن بعد سنتين أو 3 سنوات من العملية، وهناك بعض الحالات التي طالبت بعودة حجم المعدة كما كان لأنها تحب الأكل وغير قادرة على الالتزام.



وحول النسب والإحصاءات، أشار أن أعلى وزن قدم لإجراء العملية لديه كان 192 كلغ، أما متوسط الأعمار للحالات لديه فتراوح بين 30 إلى 40 سنة.

وحول اختلاف مستوى الخطورة بين قص المعدة أو تحويل المسار، قال: «تعتبر عملية قص المعدة أقل خطراً من التحويل من حيث المضاعفات الناجمة إثر العملية، على الرغم من إزالة 85% من المعدة، فالقص من مضاعفاته الاستفراغ، أما التحويل فهي عملية قائمة على أكثر من توصيلة وجرح بالأمعاء، وكل جرح احتمالية التسريب فيه كبيرة، فضلاً عن تغيير فسيولوجية الجسم بأكملها من حيث الوظائف، ومن مضاعفاتها فقدان الوعي عند تناول السكريات والإسهال وإلزام المريض بتناول المكملات طوال عمره».

ولفت إلى أن عملية تحويل المسار المصغر عملية تأتي ما بين التكميم وتحويل المسار، تتم عن طريق المنظار، ولا تتم إزالة جزء من المعدة، بل يتم خلالها فصل جزء من المعدة ويمكن إعادتها لاحقاً.



قناعات مشوهة

وأكد أستاذ الطب النفسي بكلية طب رأس الخيمة الدكتور طلعت مطر، أن إقبال البعض على جراحات السمنة، يعود لمشاكل نفسية تنبع من قناعات داخلية لا صلة لها بالواقع، لافتاً إلى أنها تدعى «اضطراب تشوه الجسم»، وهو مرض نفسي يتخيل فيه الشخص بأنه يعاني من عيب خلقي وهو لا يعاني من أي عيب في الواقع.

ولفت إلى أن أسباب هوس الشباب وإقبالهم الزائد على عمليات السمنة يعود لأسباب عدة، أهمها ما يُعرف بـ«ثقافة المجموع»، أي تأثر الناس بما هو شائع نتيجة لدعاية سوشيال ميديا، فضلاً عن تغير معايير الجمال من زمان لآخر.

واعترف مطر بأن هناك أطباء جراحة وصلوا لمرحلة من الجشع والطمع بالعائد المادي من هذه العمليات، فيقبلون على عملها بعيداً عن الالتزام بميثاق شرف المهنة.





وطالب بالاستعانة بلجنة أخلاقية قبل العمليات الجراحية كما يحدث في الغرب، الأمر الذي يرسخ الالتزام بأخلاقيات ميثاق شرف مهنة الطب، وتقديم العمليات لمن يحتاجها فعلاً.

وقال: «ضمير الطبيب الجراح يلعب دوراً كبيراً في هذه الخطوة، إذ يتوجب عليه تقييم الحالة جيداً، ومن ثَمَّ ينصح الحالات التي يرى أنها لا تحتاج إلى تدخل بمراجعة طبيب نفسي لتقديم علاج نفسي أو علاجي دوائي في حال وجدهم مصرين على إجراء العملية».

وأشار إلى أن رغبة الشباب بالحصول على جسم رشيق قد تتحول من هوس إلى حالة مرضية تدعى «أنريكسيا نرفوزا»، والتي يمنع بها الشخص نفسه من تناول الأكل تماماً، وقد تصل للوفاة، لافتاً إلى أن نسبة الوفاة بسبب هذه الحالة المرضية تراوح بين 30-35%.