إذا دخلت إلى موقع «اليوتيوب» وكتبت عبارة «كورال القرية الصغيرة»، لا تتعجب إن طالعتك سوريا الحقيقية بجمالها ومواهبها، وستسمع صوت المحبة المنبعث من قلبها . وستحب تلك الوجوه الصغيرة الباسمة التي تغني للحب بكل لغات العالم.
هذا إجمال القصة، وفي التفاصيل سترى فرقة موسيقية مؤلفة من أطفال مدرسة سورية تتراوح أعمارهم بين الخامسة والـ17، شكلها الموسيقار إياد حنا ونجح في ترويض أصوات الصغار وتهذيبها والانطلاق بها درجات على سلم الفن.. ربما ستقول معنا «إنها قصة نجاح صغيرة لمدرسة، كبيرة من حيث رمزيتها لوطن».
ولفت الكورال أنظار الناس في سوريا وفي العالم العربي والعالم، حيث قفز عدد المشاهدات لأغنيات الكورال من ٣٢ ألفاً في إحدى الأغنيات منذ سنوات قليلة، إلى ١٤٤ ألفاً ثم ٣٣٥ ألفاً. ووصل عدد المشاهدات مع الاغنية التراثية «يا ظريف الطول» إلى مليون ونصف المليون مشاهدة قبل عام من الآن، وهو رقم كبير لفرقة من الأطفال تتحسس الطريق نوتة نوتة ودرجة درجة وسلماً وسلماً حتى تصل إلى ما تريد.
بداية القصة
يروي مؤسس ومدير الكورال الموسيقار إياد حنا لـ«الرؤية» كيف عرض فكرة تكوين كورال موسيقي للأطفال على المسؤولين في مدرسة «القرية الصغيرة» فاستجابوا على الفور بسبب نبل الفكرة والأهداف التي يسعى إياد لتحقيقها، وأهمها أن يقدم أصواتاً سورية موهوبة تغني للمحبة. ولذلك تم إطلاق اسم «القرية الصغيرة» على الكورال.
وأوضح حنا أن مدرسة القرية الصغيرة تقدم الرعاية الكاملة للفرقة، وتهتم بكل التفاصيل الخاصة بالأدوات الموسيقية، وتعمل على توفير كل شيء لضمان نجاح الكورال.
في التفاصيل أيضاً نتعرف على الخبرات التي يمتلكها إياد والتي أسهمت في تحقيق النجاح. فهو ملحن ومؤلف موسيقي وموزع، تخرج في المعهد العالي للموسيقى الكونسيرفتــوار، وحصل على درجة الماجستير في التربية الموسيقية، إضافة إلى دراسته لقيادة الأوركسترا والتأليف الموسيقي في أوروبا، ولديه العديد من الورش المتخصصة في الكورال.. كل هذه الخبرات وظفها الموسيقار لخدمة مشروعه فضمنت له الركيزة الأساسية للنجاح.
وحول اختياره للأطفال كمغنين في الكورال يقول حنا، إن الهدف من المشروع هو إبراز مواهب الأطفال الموسيقية. «وقد بدأت باختبارات بين الأطفال لاختيار من يمتلك حساً موسيقياً، والبحث عن أصوات قادرة على الغناء، حتى وإن لم تتسم بالجمال الصوتي، المهم أن تكون قادرة على نطق الطبقة الموسيقية بشكل جيد».
وبعد عملية الاختبارات والاختيار من بين الأطفال، تم اختيار ٦٠٠ عضو في المرحلة الأولى وتقلص العدد إلى ٤٠٠ عضو في المرحلة النهائية.
وبدأت التدريبات الجادة لتطوير مواهبهم وتحسين أدائهم قبل الانطلاق للمشاركة في الحفلات الغنائية، التي يتم تقسيم الكورال فيها إلى مجموعات وفئات لا تعتمد على العمر، بل على مستوى الفهم والإدراك. «فعلى سبيل المثال، يتم وضع الأطفال المشاكسين في مجموعة خاصة لأن لهم طريقة تعامل معينة، ومجموعة أخرى من الملتزمين والأصوات الجميلة وحسب مساحات الصوت، وهكذا».
أعطني الناي
الفرقة تضم ٥٠ عازفاً من الأطفال ومعهم يشارك ٢٠ عازفاً محترفاً لدعم الصغار وتطوير ملكاتهم الموسيقية، وتطوير الأداء عبر نقل الخبرات إليهم. ويستخدم العازفون الصغار في الكورال كل الآلات الموسيقية العالمية والعربية النفخية والوترية مثل: الفيولا، والكمان، والكونترباص والترومبيت، والفلوت بالإضافة إلى الطبلة، والدف، والعود والقانون، والناي.
ولأن الفن لغة عالمية وكذلك هي المحبة، فإن الكورال السوري يقدم التراث الغنائي السوري والعالمي. كما يقدم الأغاني الخليجية، والمغربية، والفلسطينية، واللبنانية. كذلك قدموا مجموعة من الأغاني العالمية بـ18 لغة منها الصينية، والسريانية، والروسية، والهندية، والألمانية، والإسبانية، والفرنسية والإيطالية.
ولم يكتف الكورال بتقديم التراث -على أهمية ذلك- بل قدم الصغار أغنيات من تأليف مدير الفرقة، ومنها نشيد المدرسة الصغيرة.
ومن أهم أهداف الكورال رفع ذائقة الطفل الفنية. إذ يعمد في الدروس التي يقدمها للحديث عن الأدب العربي والعالمي لرفع الذائقة الفنية والأدبية للطفل. كذلك العمل علي رفع الحس الوطني في كل الأعمال كالغناء لفلسطين وتذكير الأطفال بالقضية العربية. وتقديم الأغنيات العربية ليعرف الصغار أنهم ينتمون لعالم كبير هو العالم العربي.
أحلام مشروعة
ويحلم إياد حنا بأن يشارك مع الكورال في حفلات خارج سوريا، إلا أن الأمر لا يزال صعبا، بسبب عدد أفراد الكورال «400 طفل»، حيث يرفض أولياء أمورهم سفرهم خارج سوريا، إضافة إلى تكلفة التنقل التي تعد كبيرة بالنسبة لهم.
وعلى أجندة الاحلام أيضاً يعمل اياد على مشروع تأسيس كورال للأطفال، في أبوظبي ودبي ويتوقع أن ينجح لأن الإمارات أرض خصبة لاحتضان الفن والمشاريع الثقافية.
قد يتساءل القارئ كيف يسيطر المايسترو على هذا العدد الكبير من الصغار في كوراله وهل يلجأ للعصا، أم أنه يقصر استخدامها على الإرشاد للنغم الصحيح؟
يقول إياد حنا أنه يعتمد على كسب ثقة ومحبة الأطفال، وهذا سر نجاحه في السيطرة عليهم، بالإضافة إلى إعطائهم الثقة بالنفس، ومنحهم الشعور بأنهم يقدمون عملاً عظيماً يقدره الجميع.