الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

أحمد الحداد: عمليات التجميل المتلاعبة بالبنية الإنسانية حرام

أحمد الحداد: عمليات التجميل المتلاعبة بالبنية الإنسانية حرام
بلغة القرآن الكريم وسنة الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، يتحدث كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، عضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي فضيلة المفتي الدكتور أحمد الحداد، مسلطاً الضوء على حاضر الإفتاء ومستقبله باعتباره عموداً من أعمدة الحياة، متطرقاً إلى سبل معالجة الفتاوي العشوائية التي تعج بها منصات التواصل الاجتماعي، والمعنى الحقيقي لمفهوم تجديد الخطاب الديني.

وقال في حواره مع «الرؤية» إن الشرع أجاز للمرأة الإفتاء، حيث إن كثيراً من أحكام الشريعة تخص النساء، فإذا تأهلت المرأة للإفتاء وصرح لها به وجب عليها أن تفتي، وقد كان في العالم الإسلامي قديماً ويوجد حديثاً عالمات فاضلات تأهلن للإفتاء وباشرنه في كثير من البلاد.

وحول عمليات التجميل التي ينطبق عليها التحريم، أكد الحداد أن هناك أنواعاً من عمليات التجميل حرام، ومنها التي تغير الخلقة البشرية التي خلقها الله تعالى في أحسن تقويم إلى شكل مشتهى لدى طالب التجميل من ذكر أو أنثى، لأنه تلاعب بالبنية الإنسانية التي هي ملك لله تعالى..



*في البداية.. كيف تتم معالجة الفتاوي العشوائية التي تعج بها منصات التواصل الاجتماعي؟

الفتاوي لها مصدر خاص، وهو المفتي الذي لديه أهلية كاملة للإفتاء شرعاً بتمكنه من العلم الشرعي قرآناً وحديثاً وفقهاً وأصولاً وقواعد وعلوم آلة من نحو وصرف وأدب، المعين والمعتمد من الجهة الولائية الرسمية، فإذا ضبط الإفتاء بضبط من يصدر الفتوى من المتأهل لها، لم يبق مجال للعشوائية، لأن ما يصدر مما يسميه بعض الناس فتوى وهو من غير أهل هذه الصفات لا تسمى فتوى، وعلى الناس أن يميزوا بين من يفتي وهو متصف بصفات المفتين التي أشرنا إلى بعضها آنفاً، ومن يتكلم في المسائل الشرعية برأيه.

ومن المعلوم أن كل من يرى من نفسه أهلية الكلام في الشرع فإنه سيتكلم، حيث لا ضابط له، وعلى الناس أن يميزوا بين من يؤخذ بكلامه ومن لا يؤخذ، وهنا يكمن الخطر حيث يختلط الحابل بالنابل ولا يتميز الصحيح من غيره، وكان الواجب على من لم يكن متأهلاً ولا مرخصاً له ألا يقتحم هذا المسلك الوعر.

*ما الآليات العملية لضبط فوضى الفتاوي على السوشيال ميديا؟

منصات التواصل الاجتماعي خضمٌّ لا ضابط له ولا وازع، ومسؤولية الكلمة فيها عظيمة، فإن الكلمة فيها تبلغ الآفاق، وقد تكون سبباً لضرر كبير يلحق الناس والمجتمع إن كانت خاطئة، وخارجة عن قواعد الشرع، والمسؤولية في هذا مشتركة بين المتكلم والسامع، أما المتكلم فليتق الله تعالى ولا يَقْفُ ما ليس له به علم، وأما السامع فليحتط لدينه، وليعرف عمن يأخذ، كما قال التابعي الجليل محمد بن سيرين رحمه الله تعالى: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم» فلا يكون سامعاً لكل متكلم ولا متبعاً كل صاحب رأي، حتى يستوثق لدينه.

*مسألة الإحاطة بالواقع وتوافق الفتوى مع البيئة ضرورة لاستنباط الأحكام.. فما دور جهات الافتاء في هذا الشأن؟

من أصول الفتوى أن يكون المفتي عارفاً بعرف البلد والعادة التي يعيشون بها ويتعاملون بها، فإن الله تعالى يقول: «وأْمُرْ بالعرف» لأن الفتوى هي إخبار عن حكم الله تعالى للواقعة بدليل، والواقعة لا تعرف إلا بالإحاطة بتصورها التصور الكامل، وكما تقول القاعدة المنطقية «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، وهذا ما أصَّله الفقهاء في ضوابط الفتوى، فكان لا بد من معرفة الواقع الذي يحيط بالفتوى، فإنها قد تتغير بسبب ما يحيط بها من ملابسات من عزيمة إلى رخصة، ومن حرمة إلى إباحة، ومن وجوب إلى ورع، ومن إباحة إلى حرمة، ومثل ذلك لا يعرف بمجرد حفظ النصوص أو قراءتها، بل لا بد من الإحاطة بكل متعلقاتها، وإلا تكون خاطئة ومرتبة لضرر مبين، كما قال ابن القيم في إعلام الموقعين.



*هل هناك فارق بين الفتوى العامة والخاصة، وهل يجوز لأئمة المساجد الفتوى في الأمور الشخصية؟

نعم هناك فرق كبير بين الفتوى العامة التي تتعلق بالمجتمع والنظام العام، وبين الفتوى الخاصة التي تخص المرء نفسه في عباداته أو معاملاته أو أحواله الشخصية والأسرية، فالفتوى العامة في بلدنا هذا لا يجوز أن تصدر إلا من مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، فهو المخول الوحيد من القيادة الرشيدة لإصدار الفتاوي التي تكون من هذا النوع، أما الفتاوي الخاصة فيمكن لمن صُرح لهم بالإفتاء من أئمة المساجد والوعاظ أن يتناولوها ويفيدوا بها المستفتين، فإن لم يصرح لهم بالإفتاء فلا يفتون، فكثير من أئمة المساجد إنما اختبروا في فقه الصلاة والطهارة، ولم يهتم في شأنهم بفقه الأحوال الشخصية أو المعاملات.

*ما أبرز المسائل والنوازل التي يسأل الناس عنها في زمن كورونا؟

هذا زمان فيروس كورونا المستجد، الذي ألقى بظلاله على كثير من المسائل الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات والحقوق والالتزامات، فكثرت الأسئلة في هذه الجوانب أكثر من الأسئلة المتكررة في كل الأوقات، وفي الحقيقة نوازل جائحة كورونا نوازل مستجدة احتاجت إلى اجتهاد جماعي وعقدت لها مؤتمرات وندوات، وكان لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي إسهام كبير في تجلية كثير من مسائله، ولدائرة الإفتاء بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري كذلك إسهام كبير في بيان المسائل الشرعية المتعلقة بهذه الجائحة في جميع الجوانب التعبدية والمالية والاجتماعية والصحية وغيرها.

*يقولون إن تجديد الخطاب الديني يبدأ من الفتاوي المنضبطة.. ما مدى صحة ذلك؟

تجديد الخطاب الديني مفهوم يقع فيه الخطأ الكبير واللغط المختلف، فكل قد يفسره بحسب توجهه، وحقيقة الدين أنه متجدد في الأمور التي تتعلق بالعرف والعوائد، فهو يراعيها وينزل النصوص عليها، وهذا منهج الإسلام منذ بزوغ فجره، وبناء عليه فنحن نسير في عصرنا المنفتح قضايانا المصيرية بما تقتضيه مصلحة الأمة ويحتاجه العصر في هذا النوع من التجديد، فنعيش بانفتاح وتعاون، ونبني المستقبل ليكون أفضل من الماضي.

أما ثوابت الدين من عقائده وأركانه وأصوله ومرجعياته فلا تحتمل التجديد، فلا يمكن أن يقال بتغيير الشعائر زيادة أو نقصاً، ولا نقض الأصول الثابتة، ولا حذف شيء منها، وهذا ما قد يفهمه دعاة الحداثة من مسألة تجديد الخطاب الديني، فينبغي معرفة ذلك حتى لا تختلط المفاهيم.

*ما أهمية الفتوى ودورها في التصدي لخطاب العنف والكراهية؟

هذا هو واجب العصر بالنسبة للمفتين والوعاظ وعلماء الشريعة عموماً، فالإسلام لا يعرف خطاب العنف والكراهية، وإنما جاء هذا الخطاب من الجهلة ومن أدعياء الفتوى، أو من المسخرين لتشويه الإسلام من قبل أعدائه، ذلك لأن الإسلام دعا إلى نشر السلام بين الأنام، والتعاون على ما ينفع الناس ويدفع الضرر عنهم، وإلى التعارف بين الشعوب والتقارب في تحقيق المصالح ودفع المضار، ونصوصه كتاباً وسنة في ذلك معروفة مشهورة.

*كيف يمكن للفتوى ترسيخ خطاب الوسطية والاعتدال؟

كما قلنا فإن الفتوى يتعين أن تكون مبنية على أصولها، ومن أصولها أن تسلك منهج الإسلام العام في الوسطية التي تعني عدم الجنوح إلى الإفراط أو التفريط، فهذا الدين هو دين الحنيفية أي المائلة عن الأديان الباطلة والسلوك المنفر أو المتساهل، والمُفتون المؤهلون لا يخرجون عن هذا المنهج، وعلى الناس أن يسمعوا لهم، فإذا سمع الناس لغير المؤهلين فتلك مسؤوليتهم أولاً ثم مسؤولية الدول التي ترعاهم، حيث لم تأطرهم على الحق أطراً، وتأخذ على أيديهم.



*هل يجوز تولي النساء منصب المفتي في الدول الإسلامية؟

نعم يجوز، فأحكام الشرع الشريف تشمل الرجال والنساء على حد سواء، وكثير من أحكام الشريعة تخص النساء، وكثير من النساء تحتاج امرأة تساررها بما تريد أن تسأل عنه، وقد لا تستطيع أن تسأل الرجال لحيائها، فإذا تأهلت المرأة للإفتاء وصرح لها به وجب عليها أن تفتي، وقد كان في العالم الإسلامي قديماً ويوجد حديثاً عالمات فاضلات تأهلن للإفتاء وباشرنه في كثير من البلاد.

ونحن في الإمارات لدينا مفتيات متأهلات يقمن بهذا الدور بجانب إخوانهن المفتين، وقد نحيل إليهن الفتاوي الخاصة فيقمن بها خير قيام.

*ما هي عمليات التجميل التي ينطبق عليها التحريم؟

نعم هناك أنواع من التجميل، فمنه الجائز أو المطلوب شرعاً، وهو الذي يكون لإعادة الصورة الإنسانية التي تضررت بحادث أو خلقت مشوهة إلى وضعها الطبيعي، ومنها ما هو تغيير لهذه الخلقة البشرية التي خلقها الله تعالى في أحسن تقويم إلى شكل مشتهى لدى طالب التجميل من ذكر أو أنثى، كتغيير لونه أو شكل عضو من أعضائه، أو تغيير تكوينه من ذكر لأنثى أو العكس، فهذا أمر محرم، لأنه تلاعب بالبنية الإنسانية التي هي ملك لله تعالى، وهو من وحي الشيطان الذي هو عدو لنا، وقد تعهد أن يوحي لبني آدم بمثل هذا الإيحاء.



*ما الفرق بين الواعظ والمفتي، وما المسافة الفاصلة بينهما؟

الإفتاء صفة رسمية ولها تأهيل علمي خاص، أما الواعظ فلا يلزم أن يكون بصفة رسمية، بل قد يكون الوعظ من كل من له ملكة في الترغيب والترهيب، والهداية لمكارم الأخلاق، وقد يكون متفنناً في العلم، ويأخذ صفة رسمية للإفتاء، والمفتي قد لا يحسن الوعظ والإرشاد لعدم مهارته في أساليب الإلقاء والتأثير، وقد يحسن ذلك وهو كثير في المفتين، وعلى العموم فالإفتاء لا يحسنه إلا الفقهاء المتبحرون في الفقه بخلاف الوعظ.