الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

أم كلثوم أتقنت تلاوته وعبدالوهاب سجل سوراً بصوته.. القرآن منجم مقامات موسيقية



حالة من الاستغراب سادت وسائل التواصل الاجتماعي في مصر بعد لقاء صحفي للشيخ المصري محمود الشحات أنور، والذي قال فيه إن استخدام القراء للموسيقى في التلاوة موجود منذ زمن بعيد، وتابع قائلاً: «أسمع أن فضيلة الشيخ محمد رفعت كان يستمع لموسيقى بيتهوفن، ويعمل منها بعض المقامات الموسيقية لتوظفيها في تلاوة القرآن»، وهو ما قوبل بهجوم كبير على الشيخ المتهم في الأساس بغناء القرآن وليس ترتيله.

العقلية الجماعية ترفض فكرة استماع كبار المشايخ للموسيقى أو توظيفها في قراءاتهم، لكن كتاب «وصف مصر» لفت الانتباه إلى انبهار الفرنسيين بالموسيقى التي لمسوها في القرآن والآذان، حتى أنهم كتبوا الآذان على نوتة موسيقية.


وأرجع الكتاب حالة الاشتباك بين القرآن والموسيقى إلى «كتاتيب مصر» التي أخرجت القراء العظام وأنتجت حفظة لكتاب الله يقرأونه على المقامات الموسيقية، كما أنتجت ملحنين ومطربين يحفظون القرآن ويرتلونه، سواء من المطربين أو قارئي القرآن، فهناك ترابط نشأ بين تلك الأصوات العذبة في استخدام الموسيقى، سواء لتحسين جودة التلاوة أو استغلال القرآن لتحسين جودة الغناء.


وبحسب خبير المقامات الراحل الدكتور أحمد مصطفى، فإن القرآن له موسيقى، "وتجد المشايخ كما المطربين والموسيقيين يستعملون مقام "الصبا" في الآيات التي تحتوي على حزن، والنهاوند في آيات الحب والاشتياق، و"العجم" لاستشعار الهيبة، والبياتي للمباهاة، و«السيكا» للفرحة، أمّا «الحجاز» فللحنين. ويستخدم القراء مقام «الريست» لإظهار قوتهم في القراءة، أمّا مقام الكرد فيُستخدم للتعبير عن العذاب والألم".

ومن المعروف أن عمالقة التلاوة والمبتهلين كانوا يتغنون بالمقامات في التلاوة والإنشاد، فالراحل الشيخ محمد صديق المنشاوي يعرف بنبرته الحزينة متبعاً مقام الصبا، والراحل محمود خليل الحصري معروف بقراءته على مقام النهاوند، ويجمع آخرون بين أكثر من مقام مثل الشيخ مصطفى إسماعيل.

ولا ينفي الشيخ مصطفى إسماعيل، في حواره النادر مع الإعلامي طارق حبيب في برنامج «أتوجراف»، الصلة الوثيقة بين الفن والموسيقى، حيث قال في حواره مع حبيب إنه تعلم المقامات الموسيقية من «السميعة»، على حد تعبيره، فلم يتعلم عن طريق عود أو نوتة، لكن من يحضرون قراءاته هم من وجهوه لمعرفة المقامات الموسيقية.

ويقول الشيخ مصطفى إسماعيل: «كانوا يقولون يا سلام دا طلع من البياتي راح صبا دا راح كذا، بقيت أفهم دي وأفهم دي وتعلمت المقامات سمعياً».

ويحكي قارئ الملوك عن أول مرة يحضر بها لقراءة القرآن في القاهرة وكيف لمس الصلة بين أهل الغناء وأهل القرآن، فيقول «دعيت للقراءة في مأتم داخل القاهرة في منطقة "الدودية"، وجدت الشيخ درويش الحريري والشيخ سيد موسى وجميعهم كانوا يجالسون الملحنين الكبار والمطربين ككمال الطويل وأم كلثوم وجميعهم كانوا يتدارسون المقامات على يد شيوخنا، ورغم حلاوة صوتي لم أفكر في الاتجاه للغناء».



وأثنى الشيخ إسماعيل على تلاوة الموسيقار محمد عبدالوهاب للقرآن قائلاً «صوته ممتاز وهو متمكن في الغناء والتجويد.. وهي مش حرفته وكتر خيره أنه عمل كده».



وفي سؤال له من الإعلامي طارق حبيب في برنامج «أوتوجراف»، قال الشيخ إسماعيل رداً على انتقاد التلاوة على المقامات الموسيقية: «قول سيكا أو نهاوند أو بياتي أو صبا.. قول أي نغمة في الدنيا زي ما أنت عاوز.. ما حدش له عندك حاجة.. واللي يقول ده بيغني مش بيقرأ قرآن مبيفهمش حاجة».

وربط الشيخ إسماعيل ذلك بضرورة الدراسة الجيدة للنغمات والمقامات، المهم أن يقرأ القرآن كما أنزل وضبط مخارج الحروف هذا الأهم، واستطرد بقوله بحديث شريف «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن».



أما الشيخ عبدالباسط عبدالصمد فلم ينفِ حبه للغناء واستماعه لأغنيات أم كلثوم التي وصفها بكوكب الشرق والغرب، وقال عبدالصمد إن الدين لا يُحرّم الغناء لكن الغناء قد لا يتناسب مع قيمة قارئ القرآن.



وقد تداولت بعض صفحات التواصل الاجتماعي منذ فترة صورة نادرة للشيخ عبدالصمد وهو يعزف على آلة العود، وهو ما أكده نجله اللواء طارق عبدالصمد الذي علّق على ذلك بأن والده كان يجيد العزف على العود وما زال العود الخاص به لدى أم كلثوم، وكان يحضر حفلاتها بالأوبرا، وربطته علاقات صداقة بفنانين كبار مثل محمد فوزي ووديع الصافي وصباح وغيرهم.



أمّا الشيخ محمد عمران فلم يجد حرجاً في الغناء وكان صديقاً لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وكان يُغني بعض الموشحات برفقة الموسيقار «عبده داغر»، فغنى قصيدة «يامن هواه أعزه وأذلني» في حضور عبدالوهاب، الذي أثنى عليه وتعجب من فرط براعته في التنقل بين المقامات بسهولة وعلق قائلاً: «يا عيني... هتروح على فين دلوقت».

وبحضور عبدالوهاب أيضاً وفي جلسة خاصة أدى عمران أنشودة «يا سيد الكونين»، ووصف لقاءه بعبدالوهاب «كأنه بألف عام من العمر»، ليرد عبدالوهاب «الله الله».



أما المبتهل الشيخ سيد النقشبندي فقد أدى 6 ابتهالات من تلحين بليغ حمدي، وكان يمتلك مكتبة كبيرة لأسطوانات بيتهوفن، وكان الموسيقيون يرونه أحد أقوى وأوسع الأصوات مساحة في تاريخ التسجيلات.

وفي حوار قديم له مع الإذاعي الراحل طاهر أبوزيد، قال المبتهل الراحل إن أحب المطربات إلى قلبه هي السيدة أم كلثوم، وكان قد غنى لها جزءاً صغيراً من قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء أحمد شوقي، وقال إنه صارحها ذات مرة بعشقه لصوتها، خاصة في أداء القصائد.

ومن المعروف كيف ألف له بليغ لحن توشيحه الشهير مولاي، بأمر من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، الذي قال لبليغ عندما حضر حفل خطوبة ابن الرئيس المصري وكان النقشبندي حاضراً: لماذا لا تلحن يا بليغ للشيخ؟.

ونسق الإذاعي المعروف وجدي الحكيم اللقاء بين النقشبندي وبليغ بعد رفض المنشد أن يغني من ألحان بليغ. فقال له الحكيم: ما عليك سوى أن تستمع للموسيقى، إذا لم تعجبك سأتولى أنا الاعتذار لبليغ. واتفقا على علامة بينهما للتعبير عن الإعجاب أو الرفض. وكانت العلامة أن يخلع النقشبندي طربوشه إذا أعجبه اللحن.

واتفقا أن يلتقيا بعد نصف ساعة، وعندما عاد الحكيم إلى الغرفة وجد الشيخ قد خلع الطربوش والقفطان وصاح قائلاً «دا بليغ طلع جن». وبدأت علاقة بين الملحن الكبير والمنشد المعروف أسفرت عن 6 ألحان.

وقال حفيده سيد الشحات، إن جده كان يقلد السيدة أم كلثوم في شبابه، وكان يغني لها «ولد الهدى ورباعيات الخيام».



أهل المغنى

ومن أهل القرآن لأهل الطرب، ظهرت حلاوة الدين الوسطي، حيث أقدم بعض المطربين على تسجيل الأذان بصوتهم وكذلك بعض آيات القرآن الكريم ومنهم سيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي كانت في بلدتها طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية شمالي مصر تقدم الأناشيد والابتهالات الدينية حتى انتقالها للقاهرة. وبحسب عدد من النقاد، فإن كوكب الشرق أم كلثوم كانت تعتزم تسجيل القرآن الكريم، ولكن الأزهر تصدى لها في ذلك الحين، إلا أنها بالفعل سجلت بعض السور بصوتها.



وفي لقاء لها مع الإعلامي طاهر أبوزيد نصحت كوكب الشرق المطربين بحفظ القرآن الكريم وإتقانه ليتمكنوا من إتقان مهنتهم في الغناء.



وقد حفظ الشيخ سيد مكاوي القرآن وامتهن تلاوته وكان يعمل مؤذناً بأحد المساجد بحي الناصرية في القاهرة، ولقب بآخر شيوخ الموسيقى العربية حيث مزج بين الغناء والتلحين والقرآن.



وفي عام 1962 لعبت الفنانة وردة بطولة فيلم «ألمظ وعبده الحامولى»، وقدمت خلال الفيلم بعض الآيات من القرآن الكريم بصوتها.



وفي فيديو نادر تداول مقطع فيديو للفنان العراقي كاظم الساهر وهو يعلم الأطفال تجويد القرآن.



أمّا الفنان الإماراتي حسين الجسمي فله العديد من مقاطع الفيديو التي يقرأ القرآن بصوته العذب.



وعلى فترات يظهر الفنان الكويتي نبيل مشعل وهو يقرأ القرآن، ويسجله بمساعدة القارئ والمنشد الشهير مشاري بن راشد العفاسي، وتعرض مشعل لهجوم كبير عقب نشر تلك المقاطع من البعض، وتعليقاً على ذلك قال الفنان الكويتي في تصريحات صحفية: «إن هؤلاء يرون أن القرآن لهم والدين لهم.. أنا إنسان مسلم ولدت مسلماً.. أمي وأبي مسلمان.. والقرآن كتابي وكتاب كل مسلم أقرأ ما أقرأ مو شغلك هل يحاسبني الله أم أنت، هذا شيء مضحك».



ويرى الناقد الفني طارق الشناوي أن أي فتوى تمنع المطربين والفنانين من تسجيل القرآن بأصواتهم هي مخاصمة للعقل والمنطق، وأن الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب والسيدة أم كلثوم كانا يسعيان لتسجيل القرآن وهو ما قوبل بالرفض من جانب الأزهر الشريف.

ويرى الشناوي أن المنع ليس صحيحاً خصوصاً إذا تمكن المطربون من إتقان التلاوة في تسجيلهم للقرآن الكريم.