الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

مملكة العقرب.. مشروع شبابي لاستخلاص سم العقارب في صحراء مصر

مملكة العقرب.. مشروع شبابي لاستخلاص سم العقارب في صحراء مصر

ارتدى المهندس المصري أحمد أبوالسعود معطف الأطباء الأبيض، وعلى طاولة معدنية أمسك بذيل أحد العقارب بملقط معدني، مسلطاً موجة كهربائية عليه ليفرز قطرة من السم داخل أنبوب صغير.. إنها «مملكة العقرب» المصرية.

على بعد نحو 800 كم جنوب غرب القاهرة وعلى طريق أسفلتية تَسَع سيارتين، تنتشر على جانبيها مزارع النخيل وترتفع من ورائها على بعد الكثبان الرملية والجبال في صحراء محافظة الوادي الجديد، تقود لافتة معدنية زرقاء إلى المشروع.

ويظهر بناء أبيض مكون من طبقتين، محاطاً برقعة زراعية خضراء تلطف من حر الظهيرة في صحراء الواحات الداخلة، حيث يجمع أبوالسعود العقارب التي تعتبر رأس مال مشروعه ومصدر ثروته.

قصص اللدغات

وداخل المبنى يوجد المعمل المكون من غرفتين، تضم إحداهما عشرات الرفوف التي تحمل علباً وصناديق ملونة تمكث داخلها العقارب بعد وضع الرمال فيها، والأخرى يُجري فيها فريق «مملكة العقرب» عمليات استخلاص السموم.

ويقول «أنا من أهالي الوادي وهنا كل بيت لديه قصة مع لدغات العقارب سواء العامل في الحقل أو الأطفال الصغار في البيوت.. إنها مشكلة كبيرة جداً».





وأضاف «كنت أتصفح الإنترنت مصادفة ووجدت أن سم العقرب من أغلى أنواع السموم وقلت لِمَ لا نستغل هذه البيئة الصحراوية فيكون العقرب شيئاً نافعاً لا آفة ضارة؟»، وخصوصاً أن الوادي الجديد يمثل نحو 44% من مساحة البلاد.

ويوضح أبوالسعود أن العقرب الواحد ينتج نصف مليغرام من السم والغرام الكامل يحتاج بين 3000 و3500 عقرب تقريباً «والأهم هو درجة النقاء والجودة».

ويُنقل السم السائل المستخلص في حافظات باردة إلى العاصمة لإجراء عمليتي التجفيف والتعبئة.

وإلى جانب أبوالسعود تعمل في معمل استخلاص سم العقرب صيدلانية وطبيبة بيطرية من أبناء الوادي الجديد.

وتقول الصيدلانية نهلة عبدالحميد التي تعمل أيضاً في وزارة الصحة المصرية «كصيادلة.. درسنا فوائد سم العقرب وإمكان استخدامه في تركيب بعض الأدوية».



وتضيف «هذا ما شجعني للعمل في مملكة العقرب.. أولاً حمايتنا وثانياً العمل بمركز معتمد بشهادة رسمية يقوم باستخلاص سم العقرب وإمكان تصديره إلى الخارج».

أما عضو غرفة صناعة الدواء في مصر محيي حافظ فيقول إن «سم العقارب والثعابين يدخل في استخراج الأمصال المضادة».

وأوضح حافظ أن لا دواء حتى الآن يعتمد بشكل مباشر على سم العقرب أو الثعبان، «ولكن ثمة محاولات بحثية في هذا الصدد».

وأفاد تقرير نشرته مجلة «بيوميديسينز» العلمية في مايو الماضي بأنه «ثبت أن عشرات الجزيئات النشطة بيولوجياً المشتقة من العقرب تمتلك خصائص دوائية واعدة».

وأضاف التقرير أن «المعامل تدرس الآن آثارها المحتملة المضادة للميكروبات والسرطان، آملة في استخدامها في تصنيع الأدوية».





التوازن البيئي

وتنتشر في الوادي الجديد 4 أو 5 فصائل من العقارب، حسب ما يقول أبوالسعود، مشيراً إلى أن أكثر الأنواع إتاحة هو «لورياس».

ويحتوي سم هذا النوع من العقارب على أكثر من 45 عنصراً ويُراوح سعر الغرام منه بين 6500 دولار إلى 7500 دولار، حسب ما يقول أبوالسعود.

وتقول الصيدلانية إنهم يحاولون «قدر الإمكان عدم الإخلال بالتوازن البيئي، وخصوصاً أن اصطياد العقارب يتم من مناطق سكنية وحيوية وليس من بيئات بعيدة».





ويوضح أبوالسعود أن المشروع يعتمد على أهالي القرى القريبة لعملية الصيد.

ويقول «نختار من كل قرية عاملاً أو اثنين ثم ندرّب الجميع ونزوّدهم الأدوات الواقية لإتمام هذه العملية».

ويُعطى المزارعون قفازات وملاقط معدنية وأحذية طويلة وسترات فسفورية وأمصالاً لتنفيذ عملية الصيد وفي المساء، تُستَخدَم نظارات الرؤية الليلية.



وضع أبوالسعود قفازاته الواقية وأمسك بملقط معدني وراح يبحث بجوار المبنى عن عقرب إلى أن وجد واحداً تحت حجر فالتقطه وأدخله إلى المعمل.

وتوضح عبدالحميد (25 عاماً) التي تلقت مع زميلتها البيطرية تدريباً على أيدي أساتذة في هذا المجال، أن دورها يبدأ عندما يُحضر إليها الصيادون العقارب، وتشرح «أقوم بتصنيفها بحسب المنطقة التي تم اصطيادها منها والفصيلة ثم الحجم».



ويتم استخلاص سم العقرب، بحسب عبدالحميد، على الأقل كل 20 إلى 30 يوماً للحصول على أعلى جودة.

وتقول الطبيبة البيطرية العشرينية إيمان عبدالمالك إن العقرب يستطيع البقاء فترة طويلة من دون طعام «لكننا نحاول توفير بيئة ملائمة للعقارب وتزويدها بالغذاء والبروتين لزيادة إفراز السم».





وتشير عبدالمالك إلى أن العقرب يتم إطعامه كل 15 يوماً في الصيف، على أن يقل المعدل في فصل الشتاء بسبب دخول العقارب في البيات الشتوي.

وداخل صناديق العقارب بالمعمل تضع عبدالمالك الصراصير والديدان، وبعض قطرات الماء في إناء صغير للغاية، كطعام للعقارب.

وتقول «نخطط لاستكثار العقارب في المستقبل بدلاً من الاعتماد على الصيد».