الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

سفير المسرح مرعي الحليان: أمضيت 3 عقود بحثاً عن النص المدهش.. وخطوات والدي أرشدتني لمكتبة الفريج

يعد من أبرز رواد المسرح الإماراتي وأكثرهم نشاطاً، اتجه إلى الدراما والكوميديا التلفزيونية، بعد أن أثرى خشبة أبوالفنون الموجه للكبار والصغار على حد سواء بعشرات المسرحيات تأليفاً وإخراجاً وأداءً، وبرع في الأدوار الكوميدية والشريرة، حتى حصد لقب «سفير المسرح»، إنه الفنان المسرحي والمؤلف مرعي الحليان، الذي ولد في الشارقة عام 1965، وانطلق على خشبة المسرح عام 1991 عبر مسرحية «حبة رمل»، فيما حفزته «صدمة» ألمت بباكورة تجاربه مع مسرح الطفل، باتجاه الإجادة وحصد الجوائز، وتوالت من بعدها البطولات المسرحية والدرامية.

وقال الحليان في حواره مع «الرؤية» إنه بعد رحلة من التجارب الطويلة، على مدار أكثر من 3 عقود، بين مسرحي الكبار والطفل، ما زال يبحث عن العرض المدهش، معتبراً المسرح بحر عميق مهما غاص الفنان في أعماقه يشعر أنه لا يزال طافياً على السطح، ولذلك يرى نفسه ما زال تلميذاً إلى اليوم في مدرسة أبوالفنون.





وأكد سفير المسرح، أنه دخل عالم الصحافة مضطراً للبحث عن عمل، واحتك بأهم الكتاب والصحفيين الإماراتيين والعرب، مشيراً إلى أنه من الذين شغفوا بالمواد العلمية في المدرسة، رغم ميوله الأدبية، وحصل على بعثة من الدولة لدراسة الهندسة الكهربائية في أمريكا، إلا أنه لم يحتمل الغربة، وعاد لاستكمال دراسته في جامعة الإمارات.. وتالياً نص الحوار:

*تلعب النشأة دوراً كبيراً في رسم المستقبل، فماذا كان تأثيرها عليك؟

كان والدي على الرغم من أنه صياد، محباً للشعر وللعلم فحثني على القراءة، وهو الذي أخذني لأول مكتبة وأنا في الثامنة من عمري، ليشتري كتباً غير كتب الدراسة، ومن خلال تلك المكتبة التي شكلت رئة معرفية للعديد من أطفال الفريج، تعرفت إلى الروائي نجيب محفوظ، والتهمت أعماله، وهو ما أسس عندي حب الكتاب والقراءة والاطلاع.





*كيف كان شكل التعليم في الماضي؟

لم تكن هناك أي صعوبات في التعليم، ففي عام 1966 كانت المدارس النظامية تقدم أفضل تعليم، ولا أزال أتذكر مدرستي «عمر بن الخطاب» الابتدائية التي درست فيها بمنطقة البراحة في دبي، حيث كانت نشأتي مع زملاء الطفولة.

كنا قريبين من البحر، وكان الشاطئ ملعبنا وساحتنا، وكانت النوارس في رحلاتها الموسمية تحط على سواحل الشاطئ القريب من حينا، لتجعل منظر البحر والموج والسحب في فصل الشتاء لوحة تشكيلية خارقة، تركت في مخيلتي بهاء الخلق.



*يقال إنك من عشاق الرياضة، فما هي الرياضة التي مارستها في شبابك؟

عشقت كرة القدم، وكان لنا ملعب رملي على الشاطئ، وأتذكر أننا كوَّنا فريقاً أطلقنا عليه «فريق النجوم»، ولا أعرف لماذا اخترنا هذا الاسم، وكان من بين المشهورين في هذا الفريق الشاعر والأديب المعروف سيف المري، والإعلامي المخضرم أحمد الشيخ.

وفي المدرسة الثانوية أحببت ألعاب القوى، وشاركت ضمن فريق المدرسة في مسابقاتها على مستوى مدارس الدولة، وكنت ضمن فريق 400 متر للعدو، وضمن فريق اختراق الضاحية 1500 متر.



*لماذا قررت السفر إلى أمريكا في مرحلة الشباب؟

أنا من الذين شغفوا بالمواد العلمية في المدرسة، فقد عشقت الرياضيات والفيزياء، رغم ميولي الأدبية، وحينما أنهيت التعليم الثانوي حصلت على بعثة من الدولة لدراسة الهندسة الكهربائية في أمريكا، إلا أنني لم أكمل الابتعاث، فقد أغراني وجود جامعة الإمارات، ولم أحتمل الغربة، فعدت لأكمل دراستي في جامعة الإمارات.





*وكيف اتجهت إلى العمل بالصحافة؟

دخلت الصحافة مضطراً للبحث عن عمل، حيث قررت الاعتماد على نفسي، وفي صحيفة «البيان» التي اعتبرتها مدرستي الحقيقية، شاء القدر أن أحتك بأهم الكتاب والصحفيين الإماراتيين والعرب، ولم يبخل أحد منهم عليَّ في تعليمي أسرار مهنة الصحافة، فعملت في مجال التحرير الميداني والتحرير المكتبي، وكنت مسؤولاً عن تحرير مجلة شهرية، والملحق الثقافي، وكتبت العمود اليومي على مدى 23 عاماً، وكانت التجربة حافلة بالمعرفة والاحتكاك بقضايا المجتمع.





*كانت لديك تجربة في الماضي مع الشعر، حدّثنا عنها.

لا أحسب نفسي شاعراً، ولو أن الشعر استهواني كما يستهوي الجميع، عشقت الشعر وغصت في بداية التسعينيات في أتون المواجهات التي قامت بين تيار الحداثة والشعر الكلاسيكي، فالساحة الأدبية لم تتقبل التمرد على كلاسيكيات القصيدة التقليدية، ولهذا وجدنا أنفسنا أنا ومجموعة من الأصدقاء خارج نطاق النشر، لأن الصحافة كانت ترفض نشر قصائدنا، فأخذنا على عاتقنا إصدار نشرة نتداولها بين الأصدقاء، ننشر فيها قصائدنا المتمردة على الكلاسيكية، لكن التجربة لم تدم سوى عامين فقط.





*وكيف كانت بدايتك مع المسرح؟

المسرح عشقي منذ الصغر، فقد شدني هذا اللقاء المباشر بين الممثلين والجمهور، وذلك التفاعل الذي يشتعل بالضحكات والتصفيق، وفي بداية الثمانينيات من القرن الماضي أخذني خالي علي سعيد إلى المسرح، وكان ممثلاً وقتها بفرقة المسرح القومي في دبي، فشاهدت خشبة المسرح بسحرها وتلمست كواليسها السوداء، وكنت أتساءل: لماذا هي سوداء وليست بيضاء؟! فجاءني الرد من خالي: «لكي تحجب ما خلفها ولا تؤثر في الإضاءة».

هناك قابلت الرعيل الأول في المسرح الإماراتي ومن بينهم عبيد صندل، عبدالله المطوع، ضاعن جمعة، موزة المزروعي، الملحن عيد الفرج، وآخرين كانوا يعقدون اجتماعات لقراءة النصوص، وكنت استرق اللحظات لأقرأ مما يقرأون، وشاهدتهم وهم يجرون بروفات التدريب، وهم يعرضون مسرحياتهم على الجمهور الذي كان يزدحم في المسرح المكشوف، هناك سحرني هذا الفن، وبدأت اقرأ وأبحث عنه.



*لماذا اتجهت إلى التأليف والإنتاج؟

أنا في المقام الأول ممثل مسرحي، وأعشق هذه الصفة، وما زلت أبحث في هذا الفن وخفاياه، ولا أنتمي إلى التأليف أو الإخراج المسرحي، لكنني اضطررت إليهما، فأحياناً تخطر على بالي أفكار أنفذها بالكتابة والإخراج، لكنني ما زلت أصر على حمل لقب ممثل، وأول نص كتبته كان إعداداً لمسرحية «الدكتور» للكاتب الروسي برنسلاف نوستيش، وكان الاشتغال على الإعداد بمثابة التدرب على اكتشاف أسرار الكتابة للمسرح.

وقد طرت من سعادتي حينما تبنى مسرح العين الشعبي تنفيذ هذا النص، وبدأت أرى الشخوص التي كتبتها وهي حية أمام الجمهور تنبض بالحياة، ما دفعني إلى معاودة الكرة مع نص «الثمن» للكاتب الأمريكي آرثر ميللر، فأطلقت عليه عنوان «الرحى» وعمل على إعداده وإخراجه الفنان إبراهيم سالم، وحصلنا على 3 جوائز حينما قدمناه في مهرجان المسرح العربي بالأردن.





*ما أصعب موقف تعرضت له في بداية مشوارك؟

نقطة التحدي التي واجهتني في مسيرتي هي حينما قررت التصدي لإنتاج مسرحية للأطفال، وبالرغم من نجاحها وعرضها على مدى عامين، وكانت الانطلاقة في عام 1993، فإنني اتهمت من قبل بعض الفنانين أنه لا يجوز لي الخوض في مسرح الطفل، لأنه يتطلب دراية وخبرة كبيرتين، ووجهت بالرفض والاستهجان على الرغم من نجاح العرض الذي شاهده آلاف التلاميذ في ذلك الوقت.

هذه المواجهة جعلتني أصر على المضي في مسرح الطفل إلى اليوم، والحمد لله أعتز اليوم كثيراً بأعمال مهمة قدمتها في مجال مسرح الطفل وحازت على العشرات من الجوائز وحب جمهور الأطفال.





*بعد الكثير من التجارب في العمل الفني، هل تشعر بالرضا عن تجربتك؟

بعد هذه التجربة الطويلة بين مسرح الكبار ومسرح الطفل، ما زلت أبحث عن العرض المدهش وهذا هو سر المسرح، بحر عميق مهما غصت في أعماقه تشعر أنك لا تزال طافياً على السطح، وليس هناك حدود لمدى الإبداع الجمالي، ولهذا فأنا تلميذ إلى اليوم يرتب واجباته المسرحية قبل الذهاب إلى النوم.