اخترقت منصة صاحبة الجلالة التي أسسها صحفي مصري، عالم الصمت الذي يعيشه أصحاب الهمم فئة الإعاقة السمعية، حيث تقدم لهم أخباراً مترجمة بلغة الإشارة، من قبل بعض المرضى ممن يعانون من هذه الإعاقة.
البداية كانت في عام 2000، حيث لم يكن يعرف الصحفي المصري أيمن فاروق عن عالم الصم سوى اسمه لم يحتك بأصحابه احتكاكاً مُباشراً إلى أن بدأ يعمل عملاً خاصاً بالإنترنت فاقترح عليه أحد زملائه منح عدد من أصحاب الهمم فئة الإعاقة السمعية ساعات إنترنت مجاناً، لكنه تساءل كيف سيستخدمون الإنترنت؟
بدأت أسئلة كثيرة تراود فاروق وهو يحاول معرفة كيف يعيش هؤلاء داخل عالم الصمت، فأصر على اصطحاب بعضهم في مُعايشة لأحوالهم الحياتية وعن احتياجاتهم وسعيهم في طريق الحياة، وعندما خرج تحقيقه للنور وتم نشره على صفحات إحدى الجرائد الخاصة أرسله لمن رافقوه في رحلة تحقيقه من ذوي الإعاقة السمعية لكنهم لم يفهموا المكتوب، حتى من يجيدون منهم القراءة والكتابة، كانت تلك ملاحظة بدلت اتجاهات فاروق ناحية تلك الفئة فقرر بذل جهده لمُساعدتهم على التعامل مع الحياة ومتابعة تفاصيل حياتهم، وكان ذلك بإطلاق خدمات نوعية لا تخص سواهم.
ويقول لـ«الرؤية»: «اكتشفت أن مجتمع الصم مجتمع غامض لا يفهم الإعلام كما لا يستطيع الإعلام التواصل مع هذا المجتمع، ومن 2005 قدمنا ورشاً تدريبية لأصحاب الإعاقة السمعية وفي 2010 دربناهم على مُراقبة الانتخابات في مؤسسة (صاحبة الجلالة) للخدمات المجتمعية، فقدمنا لهم خدمات لدمج جمعيات ضعاف السمع، وبالدراسة اكتشفنا أنهم لا يتابعون سوى الأخبار والأفلام الهندي والأجنبي، وحتى الأخبار يتداولونها بما يعرفه بعضهم وليس بما يتم تقديمه من لغة إشارة يُقدمها مذيعو برامج الإشارة على المحطات التلفزيونية في نشرات الأخبار فهم لا يفهمون أداء هؤلاء المذيعين في معظم الأحوال».
ويشرح فاروق: «ومن واقع احتكاكنا مع أصحاب الهمم من فئة الإعاقة السمعية ففي الغالب لغة الإشارة لا تخضع لقواعد بل هي عبارة عن إشارات يعتمدونها فيما بينهم وتقوم في الأساس على الوصف، فلكل شخص أو مهنة أو حيوان أو جماد أو غيره وصف مُعين تعتمده المجموعة كلها وما يعتمده شخص قد لا يعرفه آخر سوى بشرحه، لذا فمذيعي الإشارة في نشرات الأخبار قد لا يستطيعون قراءة الأخبار لهم بشكل كامل، فليست كل إشارة فورية ناجحة معهم»
.
من واقع ما سبق أطلق فاروق منصة خاصة لخدمة أصحاب الهمم من فئة الإعاقة السمعية لتقديم محتوى إخباري تستطيع تلك الفئة فهمه، كما تُقدم المنصة محتوى مميزاً من مسلسلات وأفلام عربية وقصص للأطفال من الصم.
وعن المنصة يقول: «كما شرحت، فلغة الإشارة هي لغة وصفية تعتمد في الأساس على لغة الصم وليس ما نعرفه نحن هنا، لذا عندما قررنا إطلاق منصة صاحبة الجلالة فإننا ننتقي الأخبار التي تهمهم بالأساس فنعرض على مجموعة منهم عددا من الأخبار ليختاروا ما يتسق مع اهتماماتهم ثم يترجمونها للغة الإشارة الوصفية والتي يفهمونها، ويتم هذا كله بدعم من مُترجمي لغة الإشارة من العاملين بالمنصة وتأتي المرحلة التالية بعرض الخبر بصيغة تُناسب ما تم شرحه للمُترجم ومونتاجه بلغة الفيديو وكل هذا بالاتفاق بين المُترجم والمجموعة من أصحاب الهمة الذين اختاروا الخبر في الأساس وحتى المونتاج والتصوير يتم بإشرافهم كي يطلعوا على المُنتج النهائي للخبر بصيغة الفيديو، حينها يتم عرضه على المنصة».
ويتابع: «حتى مُشكلة الصم أيضاً أن بعضهم عندما يتعلم القراءة والكتابة فإنه يستطيع القراءة لكنه لا يفهم ما يقرؤه سوى بالصور وهذا ما نحاول حله من خلال المنصة أيضاً، إذ نقدم خدمات تعليمية للأطفال تدمج بين اللغة الخاصة لهم واللغة العربية فعلنا ذلك عن طريق الاستعانة بأصحاب الهمة من ضعاف السمع المُتعلمين ليشرحوا المصطلحات العربية بلغة الإشارة».
ويُضيف «نُقدم ترجمات بلغة الإشارة لمسلسلات وأفلام عربية أيضاً لأنه لمسنا عزوفاً كبيراً من تلك الفئة عن مشاهدة الأفلام والمسلسلات لأنهم لا يفهمونها رغم رغبتهم الشديدة في ذلك، كما نقدم (حواديت) قبل النوم للأطفال من الصم، ونقدم أيضاً ورشاً تدريبية لتعليم لغة الإشارة للأطفال ونأمل أن تكون وسيلة مُستقبلية لدمج ذوي الهمم من ضعاف السمع مع المجتمع، ونتمنى أن يتم تعميم ذلك في جميع المدارس».
يرفض فاروق تسمية مجتمع أصحاب الهمم من فئة الإعاقة السمعية بالصم والبكم، كما جرى العرف، وهو عُرف خاطئ وقد تم إلغاؤه دولياً، فهم يمكنهم التحدث إن استطاعوا سماع اللغة لذا فهم ليسوا بُكماً لكنهم «ضعاف السمع» من حقهم العيش فإصابتهم بضعف السمع مشيئة من الله، لذا وجب علينا نحن تعلم لغتهم لإخراجهم من ضيق الصمت الذي يعيشونه.