بصفين متقابلين من الرجال والنساء، تؤدي فرقة النوبان للفنون الشعبية رقصاتها التي تتهادى برفق، ثم تتخللها لحظات يستيقظ فيها الرقص بخطى أسرع، ليعود من جديد إلى التمهل، في ملمح لا يمكن تجاهله من الحوار بين الرجال والنساء. وبفعل سريان الروح الجماعية وتأثير الحماس الذي تبثه الإيقاعات، تستطيع الفرقة كسب إعجاب جمهور الدورة الـ18 من أيام الشارقة التراثية، كما يمكنها تكرار الإيقاع وكسره خلال اللحظات المفاجئة التي تسرع فيها خطى الراقصين والراقصات، في مشهد يجسد سحر الفن الشعبي وقدرته على بث طاقة من الفرح الذي يكفي لأعضاء الفرقة والجمهور معاً.
يقود الفرقة طاهر إسماعيل علي عبدالله، الذي يغني أيضاً ويتولى العزف على آلة الطنبورة، التي تختلف عن آلة السمسمية بحجمها الكبير وأوتارها السميكة وصوتها، ليحولوا بأدائهم لفن النوبان ساحات قلب الشارقة إلى لوحة فنية متعددة الألوان.
الغناء في فن النوبان له نكهة ساحلية تجعل المستمع يتخيل قوارب تصل وأخرى تغادر، فهو غناءُ للقادمين والذاهبين بأصوات يمكن تمييز السلم الخماسي في أدائها بسهولة، يتعزز بإيقاعات الطبول الثلاثة المصحوبة بما يعرف بـ«المنجور» أو «الشخليلة»، التي تتكون من عدد كبير من أظلاف الماعز المثبتة في حزام عريض لا يمكن وصفها إلّا بأنها «أجراس الجبال»، حيث يربط أحد أعضاء الفرقة هذه الآلة حول خصره مثل تنورة، ثم يتحرك بإيقاع محدد، يناسب الغناء وضرب الطبول، ليصدر بالرقص صوت ارتطام الأظلاف ببعضها.
ومثلما يتعالى إيقاع رقصة النوبان ليبدو سريعاً، يتحرك حامل المنجور كذلك بإيقاع أسرع وأكثر ارتفاعاً، لتبقى محافظة على اتساقها مع إيقاع الطبول، قبل أن يعود إلى درجة الاهتزاز الثابتة.
بتأمل الأجواء التي يدور حولها غناء النوبان ولونه المميز، يلاحظ المتابع أنها تجسد أوضح مثال على انفتاح مدن الإمارات واشتراكها مع المدن الساحلية عموماً في استيعاب الفنون الشعبية وتلقيها كالأمواج، إذ يظهر فن النوبان كنوع من الفنون التي تتحرك داخل الجغرافيا وتتخذ من مدن السواحل بيئة للمديح والغزل الذي ترسله كلمات أغانيها، فتبعث به الشجن الممزوج بالألفة الإنسانيّة.