الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الأدوار النسائية في مسلسلات رمضان.. بين كوميديا زيزي وعنف غزالة

من الصعب أن نحكم على مسلسل مكون من 30 حلقة من خلال مشاهدة حلقة واحدة أو 2، إلا أن غالباً ما تكون بداية أي عمل مقدمة أساسية لفهمه، وليس الحكم عليه، وقد اعتاد المخرج السينمائي الراحل توفيق صالح أن يقول إنه يضع خلاصة أفلامه في المشاهد الأولى التي يحرص على أن تكون مكثفة وأن تضع المشاهد على الفور داخل مضمون العمل وأسلوبه الفني.

وفي كتبه ومحاضراته الكثيرة يكرر أستاذ السيناريو الأمريكي المعروف سيد فيلد على أهمية الدقائق العشرة الأولى من أي فيلم، فهي التي تربط المشاهد بالعمل، أو تنفره منه، وهي التي تقود هذا المشاهد عبر بقية العمل وتحدد مزاجه وموجة استقباله وحكمه النهائي عليه. وهو ما يطلق عليه في فن الدراما والأدب «براعة الاستهلال»!

لنختبر هذه الفرضية من خلال مسلسلي «خلي بالك من زيزي» و«لحم غزال».



يبدأ «خلي بالك من زيزي» بمشهد طويل لبطلته زيزي (أمينة خليل) داخل سوبر ماركت متوترة لا تتوقف عن الحديث أو أكل الحلويات أو الاصطدام بالمارة، تغادر مسرعة ويستمر التوتر في الشارع ثم في عيادة الأمراض النسائية، حيث نكتشف أنها زوجة ترغب في الحمل بشدة، وتجري عملية وراء الأخرى دون جدوى، وهذا التوتر يتسبب في إزعاج زوجها (علي قاسم) الذي يخبرها بأنه لا يريد مواصلة الحياة معها، فتعتدي عليه بالضرب، وتذهب إلى بيت أبويها، فيما يشرع زوجها بمساعدة أخيه وأحد المحامين في إجراءات الطلاق.

من اللحظات الأولى ندرك أننا بإزاء عمل كوميدي اجتماعي، تنبع فيه الكوميديا من المواقف بالأساس، ولا تعتمد على الكوميديانات والارتجال، حيث يعتمد العمل على ممثلين غير متخصصين في الكوميديا باستثناء بيومي فؤاد.

وكما يدل عنوان العمل وأغنية المقدمة وحلقته الأولى، فإن زيزي، أو أمينة خليل، هي البطلة الرئيسية، وشخصيتها الهيستيرية هي محور العمل ومصدر الكوميديا الرئيسي فيه.





أمينة خليل ممثلة ممتازة، لديها حضور وجاذبية وموهبة تتأكد من عمل لآخر، وشخصية زيزي جديدة بالنسبة لها، فهي المرة الأولى التي تقدم فيها شخصية كاريكاتيرية كوميدية لهذا الحد، وحسب الحلقة الأولى فهي تقدمها بشكل جيد ينتظر القادم من أحداث لنرى تطور الشخصية وسلوكياتها على ضوء الأزمة الكبيرة التي ستحدث لها.

الحلقة سريعة، ومرحة، بالرغم من أحداثها المأساوية. لا يستطيع المخرج كريم الشناوي مقاومة تقديم مشهد حزين في عيادة الطبيبة عندما تكتشف زيزي أن العملية الأخيرة فشلت أيضاً، وكان من الممكن اختصار المشهد والموسيقى المحزنة، حفاظاً على روح العمل الكوميدي، ولكن كعادة الدراما المصرية لا يحب الممثلون ولا المخرجون تضييع فرصة المشاهد الحزينة حتى لو خرجت عن أسلوب العمل.

المشهد الأول من مسلسل «لحم غزال» عبارة عن لقطة واحدة طويلة تستعرض أحد الأسواق الشعبية المغطاة، حيث تدور معظم أحداث الحلقة الأولى. نتعرف من خلال هذه اللقطة المنفذة جيداً على معالم السوق والشخصيات والجو العام له.

هناك تركيز على لقطات اللحم الحيواني: بقرة حية في طريقها للذبح ولحم مقطع وجريمتي قتل تبدأ الحلقة بإحداهما وتنتهي بالأخرى. ينجح المخرج محمد أسامة في نقل مضمون العمل فنياً من خلال الإضاءة المعتمة وديكور السوق المقبض والمخيف والشخصيات العدائية والعلاقات فيما بينها التي يغلب عليها الكراهية والجشع.



وكما في «زيزي» الشخصية الرئيسية هنا هي امرأة تدعى غزالة (غادة عبدالرازق) يتوافق اسمها مع فكرة اللحم المذبوح المهدر، وهي امرأة تبحث عن ابنها المفقود الذي اختطفه زوجها السابق، ولكنها تتنكر مع خادمتها (مي سليم) في هيئة بائعتين تنضمان للسوق للبحث عن الولد والاختفاء من أعدائها.

من اللحظة الأولى يحدد المسلسل جمهوره وهدفه: تقديم وجبة من البكاء والعنف والمواقف والمشاعر المفرطة التي يميل لها الذوق الشعبي، يمكن وصفها بـ«السادوماسوشية» أو الرغبة في تلقي التعذيب وممارسته على الآخرين.



غزالة تبدو ضعيفة وخائفة ومظلومة في كثير من المشاهد، ومنها مشهد طويل للغاية تتأمل وجهها في مرآة مكسورة وتبكي على موسيقى حزينة صاخبة تملأ جنبات الحلقة وتصبغها بصبغة ميلودرامية شعبية معتادة في أعمال غادة عبدالرازق ومحمد رمضان، ولكن قبل أن تنتهي الحلقة نراها وقد قامت باختطاف تاجر مخدرات شاب وتقييده وتعذيبه ثم إلقاء البنزين عليه وإحراقه حياً!

وهكذا يعرف المشاهد طبيعة السوق، الغابة، التي تدور فيها الأحداث: انتظروا كثيراً من البكائيات ومشاهد القتل والعنف البدني والانتقام المتبادل بلا نهاية، كما يحذر كبير معلمي السوق، أحمد توفيق، في أحد المشاهد.