الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

«شلوي ناش».. الكوميديا أيضاً تبوح بتفاصيل تاريخية

«شلوي ناش».. الكوميديا أيضاً تبوح بتفاصيل تاريخية

يضع صناع مسلسل «شلوي ناش» (أو شلويح وناشي) لأنفسهم أكثر من هدف: تقديم عمل كوميدي راقٍ تأتي فيه الضحكات طبيعية تنتج من مواقف وشخصيات واقعية وحوار وأداء واقعيين. ثانياً تقديم دراما تاريخية Period Drama تنقل روح وتفاصيل الحياة في الخليج خلال سبعينيات القرن الماضي. ثالثاً مناقشة قضايا ومشاكل اجتماعية ترتبط بالفترة التاريخية المذكورة، مثل ظروف الحياة الصعبة، وطبيعة العلاقات بين الجنسين آنذاك، وقضايا أخرى ترتبط بأي زمان ومكان، مثل الجشع والغيرة وما تفعله الثروة بصاحبها والتفاوتات الطبقية التي تفصل بين الناس.





ومن خلال الحلقات الأولى للمسلسل الذي كتبه عبدالله السعد ويخرجه عيسى ذياب يمكن أن يلاحظ المشاهد على الفور أنه بإزاء دراما مختلفة، مجتهدة، جادة، حتى في نظرتها للضحك، تتعامل مع شخصياتها وعالمهم بقدر ملحوظ من الاحترام والحب، ليثبت العمل عملياً أن الأعمال الكوميدية الراقية، قادرة ايضاً على البوح بتفاصيل تاريخية.

يجمع المسلسل عدداً من نجوم الدراما الخليجية على رأسهم عبدالله السدحان ويعقوب عبدالله، في دوري الصديقين الفقيرين اللذين يبحثان عن فرصة لتغيير حياتيهما، وتربط بينهما صداقة أبدية محفوفة بالمشاكسات والخلافات الدائمة.

لا يحتاج السدحان إلى التعريف بتاريخه وإنجازاته، ولكنه هنا يستند إلى خبرته الطويلة ودرايته الكبيرة بفن الدراما والصورة التلفزيونية ليقدم أداء رزيناً متمكناً قادراً على لفت الانتباه وانتزاع الضحكات بأقل قدر من الكلمات والإيماءات، وأحياناً بوجه صامت كالحجر، وهذه في الحقيقة قدرة لا تتوفر إلا لعدد قليل من كبار الممثلين.





يعقوب عبدالله في دور ناشئ يبدو على النقيض مفرطاً في الحركة والكلام بعض الشيء، وهذه طبيعة الشخصية التي يلعبها، لكن أداءه أعلى قليلاً من "تون" tune المسلسل.

تتألق أيضاً كل من لطيفة المجرن وشهد سلمان في دوري والدتي شليوي وناشي (على التوالي)، وبشكل عام ينسجم التمثيل في هذا العمل مع بقية عناصره التي تميل للهدوء وعدم الإسراف.

ومن العناصر اللافتة في «شلوي ناش» الديكورات وتفاصيل البيوت والشارع التي تحاول نقل هذه الفترة التاريخية للمشاهد، ويدعمها المخرج ببعض اللقطات الوثائقية الأرشيفية لمعالم الحياة آنذاك.

من اللافت أيضاً الطرق التي ينتقل بها العمل بين الأزمنة عبر مشاهد العودة في الماضي، أو الفلاش باك، أحياناً عن طريق تزامن الحدثين في مكان وصورة واحدة، وأحياناً عن طريق تغيير الإضاءة مثل المسرح، وأحياناً عن طريق المونتاج الذي يربط ويفصل الزمنين، وهذه الابتكارات تنبه وتمتع العين وتقلل من الملل الذي يصيب المشاهدين عادة مع كثرة مشاهد الفلاشباك.





وعلى مستوى السيناريو يمكن ملاحظة الدقة التي تظهر بها بعض مظاهر الحياة في السبعينيات، من بساطة التواصل والاتصال، والحب المطوق بالخجل والحرمان، والميل التدريجي للتخلي عن بساطة الحياة والاندفاع نحو التفاخر والتنافس نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية السريعة.

يحمل المسلسل، مثل كثير من الأعمال الخليجية والعربية في السنوات الأخيرة، حنيناً جارفاً للماضي ورغبة في استعادته، ولو في الخيال، ومحاولة للوقوف بثبات على أرض الحاضر التي تتحرك تحت أقدامنا بسرعة مخيفة نتيجة التغيرات السريعة المذهلة التي أصابت العالم، وهي تغيرات تكاد تخلع الأجيال الجديدة من جذورها وهويتها. وليس هناك أفضل من الفن والتاريخ لكي يحمي الهوية والذاكرة من عصف الزمن.