الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

مسلسلات العنف والكراهية.. وجبة درامية تفسد أنس المشاهدة في ليالي رمضان

وصف أولياء أمور أعمال درامية رمضانية، بالساحات التي يستعرض فيها مختلف فنون القتل و الترويع والعنف، المحملة بسلبيات متعددة، أبرزها تعزيز مشاعر الكراهية والانتقام، في مشاهد باتت تدخل البيوت بشكل اعتيادي، من بوابة العرض التلفزيوني، قبل أن يتداولها بدورهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي، معربين عن تخوفهم من انعكاساتها الاجتماعية والسلوكية والنفسية على أبنائهم، ووقوعهم من خلالها في دوائر العنف والعنف المضاد.

وأكدوا لـ«الرؤية» أن أعمالاً درامية كثيرة باتت تركز على مشاعر الكره والانتقام، التي لا تكاد تخلو حلقة من هذه النوعية من المسلسلات منها، في لقطات تبدو وكأنها «أكشن» مشوه، ليصبح اعتياديا أمام المشاهدين والأسر التي تتجمع في ليالي رمضان وأنس جلساته الدافئة، مشاهد قتل أو حرق أو رؤوس متطايرة وأسلحة منتشرة في أيدي شخصيات غير سوية، ليمثل المعروض وجبة درامية غير صحية وغير آمنة، على الصعيدين النفسي والاجتماعي.

ودق خبراء في علم النفس والاجتماع ناقوس الخطر، مؤكدين أن المشاهد الدرامية التي يتم عرضها لها تأثير كارثي على صحة الطفل النفسية، كما أنها تفرز أجيالاً أكثر ميلاً للسلوك العدواني في مرحلة النضج.

ولفتوا إلى أنها قد تسبب الخوف والهلع من المجتمع الذي يعيش فيه، ما يجعله يفقد الشعور بالأمان الذي يعتبر من أهم الاحتياجات النفسية في مرحلة الطفولة.





مصدر للألم

يرى علي رجب - أب لطفلين – أن التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي تحولا إلى مصدرين رئيسيين للأزمات لكثير من الأسر العربية، خاصة بعد أن تحولت الأعمال الدرامية التي تعرض يومياً إلى مسلسل لا ينتهي من مشاهد العنف والحروب والصراعات والتفجيرات، والتي تتخللها مشاهد دامية تؤثر في الكبار والصغار على حد سواء.

وأكد أن هذه الدراما تحولت من سبل للترفيه إلى عدو يتربص بأعصاب المشاهدين، ومصدر للألم والاضطراب النفسي.





هدم القيم

لخص جيهان كرم - جدة لستة أحفاد- نتائج أعمال دراما العنف بقولها: "أعمال درامية تهدم ما يبنيه الآباء في أبنائهم»، مؤكدة حرصها على إبعاد الأبناء عن متابعة بعض الأعمال الدرامية التي عمادها البلطجة والعنف والتي تعرض يومياً على شاشة الفضائيات، ولكنها لا تستطيع أن تمنعهم من مشاهدة ما يريدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتابعت: تحولت هذه الوسائل إلى شريك في تربية الأبناء، الأمر الذي يهدم ما نحاول أن نبنيه بداخلهم من قيم ومبادئ أخلاقية.. فبعد أن كانت الأسرة العربية تجتمع لمشاهدة عمل فني كوميدي أصبحوا يجتمعون لمشاهدة شخصيات درامية لا تتحدث إلا بألفاظ فجة ومشاهد عنف وسيطرة العضلات على العقول.





نماذج مرفوضة

يرى محمد نشأت - أب لأربعة أطفال - أن الخطر الحقيقي في هذه المشاهد العنيفة يكمن في تقليد بعض الأطفال لما يشاهدونه يومياً خلال أيام الشهر الفضيل من عنف درامي، وأن يجدوا في أساليب العنف الحل الأمثل للانتقام.

وأشار إلى أن تزايد المشاهد التي تروج للبلطجية وتصفهم بأنهم ملوك الجدعنة ووضعهم في قالب البطولة والشجاعة من خلال منصات التواصل الاجتماعي وتبادلها خاصة من أبطال هذه الأعمال الدرامية، يؤثر بشكل مباشر على الأطفال.

وأضاف: ينظر الأطفال لهم على أنهم القدوة التي يحتذون بها ما يجعلهم يقلدونهم، حيث يصعب عليهم الفصل بين صواب هذا الفعل من عدمه، وقد قرأنا في الفترة الأخيرة عن الطفل الذي لم يتجاوز الخمسة أعوام وطعن شقيقه مقلداً أحد أبطال الأفلام عندما أراد الانتقام من أخيه.



تبلد المشاعر

حذر استشاري الأمراض النفسية الدكتور نادر ياغي من أن مشاهدة الطفل لمثل هذه الأعمال الدرامية العنيفة تولد لديه كثيراً من مشاعر التوتر والخوف ويتأثر نفسياً من جميع المواقف التي يعيشها المجتمع.

وأضاف: يبرز بداخل الطفل مشاعر الحزن ويفقد ثقته فمن حوله، ويتعامل مع عالم الكبار على أنه كالغابة يفترس الناس فيه بعضهم بعضاً.

وأكد على ضرورة إبعاد الطفل عن مشاهدة هذه الأحداث بشكل دائم لأنها ستؤثر على سلوكه بشكل ملحوظ وسيصاب بتبلد في مشاعره، ويمكن أن تخلق هذه الأعمال جيلاً مشوهاً نفسياً ومضطرباً سلوكياً على قناعة بأن العنف هو السبيل الوحيد لحل المشكلات.

وينصح الخبير النفسي الأبوين بعدم ترك أبنائهما أمام شاشات التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يؤثر ذلك على سلوكياتهم، ويبرز ما لديهم من ميول عدوانية، وتصبح بمثابة تمارين ذهنية على عناصر الجريمة يتم اللجوء إليها في حالات الغضب والتعرض للقهر.

وأوضح أن التأثيرات السلبية لهذه المشاهد الدامية لا تفرق بين كبير وصغير، ولكن يتضاعف تأثيرها السلبي على الطفل، ما يجعله عرضه للإصابة بمرض عصاب الصدمة التي تتمثل أعراضه في سيطرة الخوف والقلق عليه، ويجعله دائم التيقظ والشعور المستمر بأن هناك خطراً يتهدده ما يجعله لا يستطيع الاسترخاء، ويعيش معاناة دائمة ولا يستطيع النوم، وتتكرر معه الكوابيس، ما يترتب عليها ضعف قدرته على التركيز ويتراجع مستوى التحصيل الدراسي.





مسؤولية الأسرة

ترى المستشارة النفسية والأسرية ناعمة الشامسي أن صد هذه المشاهد العنيفة يقع على عاتق الأسرة، عبر تكثيف الرقابة على البرامج التي يتابعها أطفالهم ومحاولة إبعادهم عن هذه الصور التي تؤدي إلى كوارث نفسية، فتخرج لنا شخصيات مضطربة نفسياً، ومشوهة سلوكياً.

وشددت على أن الأطفال يتأثرون كثــيراً بما يشاهدونه ويسمعونه، وخصوصاً في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وهذا التأثير يمتد ليشمل الأفكار والتوجهات وكذلك الأخلاق والسلوكيات.

وأكدت أن مشاهد العنف والقتل والترويع التي تبثها الأعمال الدرامية يمكن أن تخلق جيلاً جديداً ينتهج العنف أسلوباً، بعدما انطبعت هذه المشاهد في ذاكرته في مرحلة الطفولة التي تعد كالصفحة البيضاء. فالطفولة مرحلة مهمة في تشكيل شخصية الإنسان، وكل ما تلتقطه ذاكرة الطفل تنطبع في ذهنه.

وأشارت إلى أن أكثر شيء يؤثر على ذاكرة الطفل هو المشهد الكلامي، خاصة عندما يعرض بالصور وما يتم أيضاً تداوله أمام عينه، وبالتالي تصبح الصورة الفيصل لدى الطفل في هذه المرحلة العمرية (3 سنوات فأكثر) وتظل في ذاكرته الوجدانية عمره كله، لتظهر بعد مضي سنوات في سلوكياته، في صورة عنف أو عدوانية أو انطواء كما ينتابه الشعور بالحزن والاكتئاب والقلق والذنب وأحياناً بالغضب.