الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

شيخ المؤرخين فالح حنظل: لقاء الشيح زايد غير مسار حياتي

تمكن شيخ المؤرخين في الإمارات، الباحث الدكتور فالح حنظل، - 87 عامًا- من تحقيق العديد من الإنجازات في شبابه، فإلى جانب إنجازاته العلمية والعملية في مجال حفر الآبار، استطاع أن يكون أحد أوائل المؤرخين والباحثين المتميزين في تاريخ الإمارات، قبل وبعد «الاتحاد».

بدأت إنجازات حنظل، المولود في العراق، كمؤرخ في الثلاثينيات من عمره، عندما عمل على رصد الكلمات العامية والشعبية وجمعها من أفواه أبناء الإمارات لوضع أول معجم للألفاظ العامية المحلية.

كما يعد المؤرخ الكبير شاهدًا على جهود مؤسس الدولة، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.

«الرؤية» التقته في هذا الحوار للحديث عن تاريخه وتاريخ الدولة . وإلى نص الحوار:



من أين نبدأ في سرد قصتك التي شهدت تحولات كثيرة في مرحلة شبابك؟

بدأت العمل في مرحلة شبابي كضابط في الجيش العراقي، ومن ثم انتقلت لإنهاء دراستي في الإدارة الصناعية في جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأميركية. وبعدها عُدت إلى العراق وتوليت إدارة احدى شركات السجائر، ثم انتقلت للعمل في الأردن.



وفي عام 1968 أوكلت إلي مهمة إدارة شركة لحفر آبار المياه في أبوظبي، المنطقة التي كانت تثار حولها القصص والحكايات بأنك إذ غرست في رملها إبرة أو مسماراً ينبثق النفط منها سريعًا.





وبعد عدة أعوام من العمل في حفر آبار المياه، انتقلت للعمل في مجال النفط والغاز في البحر، ومنذ بداية عملي في الإمارات عام 1969، كنا جميعًا نؤمن ونوقن في ذلك الوقت بأن شيئاً عظيماً أو أن معجزة ما ستحدث في تلك المنطقة الصحراوية.

*كيف انتقلت من العمل في حفر الآبار، لأن تكون أول مؤرخ يحفر في التاريخ القديم للإمارات؟

عملت على رصد الكلمات العامية المحلية بالإمارات من أفواه أبنائها وقبائلها التي أحسنت استضافتي، وكنت حريصًا على كتابتها على الورق على مدى 4 أعوام متواصلة، ومن ثم اقتنيت معجمًا عربيًا لغويًا لأصنف تلك الكلمات المحلية إلى العامية أو الفصحى، ومن ثم جمعتها في إصدار واحد تحت عنوان «معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، وكان ذلك أول إصداراتي الأدبية على الإطلاق.

في فترة أخرى من حياتي استطعت الحصول على شهادة الدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة اكستر في المملكة المتحدة.

وبعد تأليف «المعجم»، ازداد لدي شغف البحث والكتابة، فألفت العديد من الإصدارات الأدبية المبنية على بحوث ميدانية ووثائق تاريخية، فصدر لي 16 مؤلفًا منشورًا. كما أملك 9 مؤلفات وأبحاث غير منشورة عن تاريخ القبائل المحلية ومخطوطات الأولين بالإمارات، فضلًا عن إصدار الكتب والدواوين الشعرية النبطية الأخرى التي جمعتها وقدمت شرحاً تفصيلياً لها.



*كيف تم تقدير عملك البحثي في الإمارات؟

حصلت على كل التقدير الممكن في الإمارات ونلت عدداً من الجوائز التي جاءت تقديرًا لجهودي في مرحلة شبابي، من بينها الحصول على وسام أبوظبي للخدمات المتميزة، وتكريم لتأليف كتاب «معجم الألفاظ العامية في الإمارات» وذلك عام 2013.

كما نلت جوائز أخرى منها جائزة العويس للدراسات والابتكار العلمي التي تُمنح للرواة الذين أسهموا في الثقافة، وجائزة أحسن كتاب عن الإمارات بعنوان «جامع الأمثال ومأثور الأقوال والكنايات» من هيئة الشارقة للكتاب – حكومة الشارقة.

*في حياة كل إنسان لحظة فارقة فما هي اللحظة التي كانت نقطة تحول في حياة المؤرخ الكبير في بدية حياته وغيرت من مسارها؟

عام 1970 كان سببًا في حدوث تغيير كبير في شخصيتي وحياتي، فكانت تلك السنة هي المرة الأولى التي ألتقي فيها مع المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وأتذكر حينما مددت يدي للسلام، شعرت وكأن كف يده اليمنى يماثل حجم كفي أحد الرجال، ورأيت في عينيه الكثير من الأمل والعزيمة والحرص الشديد على أن تكلل كل المشاريع بالنجاح. وحينها وعدته بأنه سيرى مشروع حفر أحد آبار المياه منجزًا عند زيارته المقبلة، واستطعنا الوصول إلى المياه في أقل من 10 أيام، كما أراد الشيخ زايد.. أن يرى نافورة من المياه حتى يأتي الناس نحوها من كل صوب. ومنه تعلمت الكثير من القيم الإنسانية والأخلاقية بما فيها الكرم والصبر واحترام وتقبل الآخرين.



*مَن من الشخصيات الإماراتية الأخرى ألهمتك وأثرت بك؟

يظل «الشيخ زايد» في القمة، كما تأثرت كثيرًا بكل من وزير التسامح والتعايش، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وكذلك تعلمت من نجاح الدكتور مانع سعيد العتيبة، وأحمد خليفة السويدي، رجل العلم والثقافة.

*ما الحكمة التي اكتسبتها من تجاربك الشبابية؟

اكتسبت الكثير من الحكم وخاصة أنني كنت اعتقد في بداية شبابي بأني «جيمس بوند»، ولكني حقًا تعلمت أن العمل والعزيمة ستدفعان الناس من حولك إلى التعاون معك، فعندما رأى الناس إنجازاتي في مجال التراث والشعر والبحث في التاريخ، أصبحوا يتعاونون معي ويطلبون مني كتابة الشعر، وساعدوني في الوصول إلى العديد من الوثائق والمخطوطات التاريخية التي عملت على ترجمتها، وخاصة أنني كنت أنكب على الكتابة لساعات متواصلة من دون الالتفات إلى أي شيء من حولي لأنجز الكتب الأدبية التي تعد مرجعًا للباحثين في التراث والتاريخ الإماراتي العريق.

وتعلمت من الزمن، أنه في حين كانت الدول الكبرى تتراجع وتتهاوى، كانت الإمارات تصعد وتعلو، ورأيت بعيني كيف تنشأ الدول وتتشكل مؤسساتها وتنمو وتتقدم أمتها، وعرفت المعنى الحقيقي للوحدة والاتحاد والطرق الصحيحة لبناء الإنسان والمجتمعات حتى تنجح وتتقدم وتطرق كافة أبواب العلم وصولًا إلى الفضاء والمريخ.

*ما هي خلاصة التجربة التي تود توصيلها في رسالة إلى شباب اليوم؟

أود أن أذكرهم بأن الله أنعم على الإمارات بشيئين رئيسين، هما النفط والملهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي عمل بجد من أجل تقدم الإمارات في كل المجالات. لذا أوصي أجيال اليوم بأن يظلوا شغوفين كآبائهم وطموحين كأجدادهم وألا يتعالوا ويحمدوا الله على النعم ويتمسكوا بالمعادلة التي وضعها «الشيخ زايد» بالجمع بين الأصالة والمعاصرة، بالانتماء إلى الوطن والأخذ والاهتمام بالتقدم والتجديد. وعلى الشباب أن يتمسكوا بوحدة أوطانهم ويبتعدوا عن كل التجارب السياسية الفاشلة.