الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

بالحب نعيش

بالحب نعيش
رافقت ممرضةٌ الجنديَ المتعب القلق إلى جانب السرير. قالت للرجل العجوز: «لقد حضر ابنك». كان عليها أن تكرر الكلمات عدة مرات قبل أن يتمكن المريض من فتح عينيه بسبب مفعول المخدر القوي الذي حقن به لتخفيف آلام نوبة قلبية، وبالكاد تمكن من رؤية وجه الشاب بالزي الرسمي يقف خارج خيمة الأوكسجين، مدّ يده له فضمّ الجندي أصابعه الخشنة حول أصابع الرجل العجوز الهزيلة وضغط عليها بحب وتشجيع.

أحضرت الممرضة كرسياً حتى يتمكن من الجلوس قرب السرير. وظل الجندي الشاب جالساً طوال الليل هناك في الجناح سيئ الإضاءة يمسك يد الرجل العجوز ويهمس له بكلمات الحب والقوة.

وكانت الممرضة تقترح من حين لآخر أن يحرّك قدميه قليلاً ويستريح لبعض الوقت، لكنه رفض ذلك. وكلما دخلت الممرضة الجناح وجدت الشاب غافلاً عنها وعن ضوضاء المستشفى وضحك الموظفين المناوبين وصرخات وأنين المرضى. بل تسمع بين الحين والآخر صوته يهمس ببضع كلمات لطيفة للعجوز. لم يقل الرجل المحتضر شيئاً، واكتفى بعناق يد ابنه بإحكام طوال الليل.


ومع حلول الفجر، توفي الرجل العجوز. حرر الجندي يده من قبضته الميتة وذهب ليخبر الممرضة. ثم وقف ينتظر ريثما تؤدي ما يجب عليها فعله حينئذ. وعندما عادت أخيراً عبرت له عن تعاطفها، لكن الجندي قاطعها قائلاً:


- «من هذا الرجل؟».

ذهلت الممرضة وقالت:

- «والدك!!».

- «لا، ليس والدي»، أنا لم أره من قبل في حياتي.

- «إذن لماذا لم تقل شيئاً عندما أحضرتك إليه؟»

-«علمت على الفور أنّ ثمة خطأ ما، لكنني أدركت أيضاً أنه بحاجة إلى ابنه، وأن ابنه ليس هنا. لقد كان مريضاً جداً لدرجة أنه لم يسألني ما إذا كنت ابنه أم لا، وشعرت بمدى حاجته إلي فقررت أن أبقى».

في المرة القادمة التي يحتاج إليك شخص ما كلّ ما عليك هو أن تبقى بالقرب. ربما نعجز مرات عن مد يد العون في أزمة ما ولكن يكفي أن نقف بالقرب من الآخر، وندعمه ونصغي له بصدق وبذلك نقدم عوناً من نوع آخر ربما أهم في بعض الأحيان من الدعم المادي.