الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

صفاء عسران.. حكاية فتاة تحارب الثأر في صعيد مصر

عادة وعند الحديث عن صعيد مصر فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك انتشار الثأر ومشاهده المتداولة عبر مشاهد الدراما المصرية، وأيضاً لا يخلو الأمر من نساء متشحات بالسواد يكرسن حياتهن لتحفيز الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن للأخذ بالثأر مهما كانت العواقب، وكما يقولون «التار ولا العار»، فمن لا يأخذ بثأره يعيش بوصمة مجتمعية كما يعتقدون، لكن العار هو اختزال الصعيد في تلك الزاوية فقط، فهناك من النساء من هن أكثر وعياً ودراءً للشرور التي قد يجلبها الثأر من سلسال دم لا ينتهي.

صفاء عسران ابنة محافظة قنا بجنوب مصر إحدى هؤلاء النسوة التي قررت الخروج عن صمتها تجاه عادات المجتمع الصعيدي الذي لا يتنازل أبداً عن فكرة الأخذ بالثأر، لتكون أول أنثى صعيدية تقتحم مجالس الرجال وتقف في وجه الثأر، لتُحث الجميع على قبول الصلح في قضايا الدم، وتبتكر درع التسامح لتقديمه لولي الدم في مبادرة أسستها هي «درع التسامح.. صعيد بلا ثأر» تحت مظلة الحكومة المصرية ومؤسسة مصر الخير التي يرأسها مفتي مصر الأسبق الدكتور علي جمعة.

وفي حديثها مع «الرؤية» تقول صفاء «درست في كلية الإعلام وكنت دائماً أرى أن هناك حكمة من دراستي للإعلام في مجتمع أصلاً لا يقبل استكمال الفتاة لتعليمها الجامعي، لكنني صممت على ذلك، ودخلت في تحدٍ لأثبت للجميع أن البنت الصعيدية لا خوف عليها، وكنت أول فتاة داخل قريتي ألتحق بالجامعة وأدرس لمدة 4 سنوات في محافظة أخرى».

وتُضيف: «في إحدى المرات دُعيت لتغطية إعلامية لإحدى جلسات صلح الثأر ومع استمرار حضوري لتلك الجلسات واحتكاكي بشيوخ المُصالحات ازددت خبرة كبيرة، وتعلمت معاني العرف في الصعيد، ومن هنا أطلقت مبادرتي (درع التسامح.. صعيد بلا ثأر)، وحضرت مع شيوخ المصالحات بصفتي عضواً في لجنة المصالحة وليس بصفتي الإعلامية».

وتستطرد صفاء: «بالفعل لا يقبل الصعيد المُصالحات بسهولة، كثيراً ما تحدث مشاحنات أثناء الجلسات العرفية من أولياء الدم، فما بالك إن كان أحد أعضاء اللجنة أنثى، لكنني نجحت في فرض شخصيتي ونجحت في أن أكون أول قاضٍ عرفي امرأة في جلسات الثأر على مستوى الجمهورية».

لم تكتفِ صفاء بجلسات الصلح الثأرية في محافظتها قنا فقط بل جالت في كل المحافظات المصرية التي يهددها الثأر وتفرغت تفرغاً كاملاً لقضايا الثأر، وكان درع التسامح الذي ابتكرته كدعم معنوي لأولياء الدم خصوصاً أنه بدعم من مؤسسات الدولة المصرية، في رسالة من الدولة عن تقدير الدولة لأولياء الدم لقبولهم الصلح وحقن الدماء والبعد عن القبلية في مشكلات الثأر، «الصعيدي يرفض ملايين الجنيهات مقابل إرضائه معنوياً، وهذا ما يقدمه درع التسامح الذي أزال عبء تقديم الكفن الذي ينظر إليه المجتمع الصعيدي نظرة سلبية»، تلفت صفاء في حديثها مع الرؤية.