الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

«حلاق الغلابة».. شاب يجوب شوارع القاهرة لتهذيب شعر المُشردين

في مدينة طنطا نشأ الشاب العشريني أدهم جبريل (21 عاماً)، وكعادة بعض الأهل في الأقاليم المصرية فإن بعض الأهل يفضلون أن يتعلم أبناؤهم حرفة نافعة إلى جانب الدراسة، فكان اختيار والد أدهم لنجله حرفة «الحلاقة»، أراد أن يحمله المسؤولية خوفاً من أن يضل الطريق لما لا يُحمد عقباه، أن يعرف معنى كسب العيش بـ«عرق جبينه» كما يقولون، ووسط الكثير من الأشغال التي صقلت شخصيته وجعلته رجلاً مسؤولاً كما رغب والده تماماً، فكان الاستقرار على حرفة الحلاقة، ومع الوقت اكتسب خبرة كبيرة جعلته يُفكر في الانتقال لمدينة القاهرة حيث اكتساب مزيد من الخبرة ومجال أوسع لاكتشاف الجديد.



وفي القاهرة كانت النقلة والتغيير في حياة الشاب الطنطاوي فبينما يتجول في الشوارع وجد بعض المُشردين التي تخفي ملامحهم عشرات الحكايات من الوجع، فقرر مساعدتهم بطريقته الخاصة وبخبرته في حرفته التي يعتقد أنها قادته للقاهرة لمساعدة هؤلاء ونفعهم بخبرته في مجال الحلاقة.



ويقول للرؤية «أتمنى أن أساعد جميع المُشردين فخلف كل منهم قصص من الوجع التي رسمت ملامحهم وأخفتها، كما أخفى شعرهم المنسدل الكثير من الأسى، كنت في البداية متخوفاً من عدم استجابتهم لي، لكنني صممت على تنفيذ فكرتي، وفي بعض الأحيان كنت أذهب للشخص أكثر من مرة لإقناعه بالحلاقة، بعضهم يهذي بكلمات غير مفهومة، وبعضهم لا يرد، والبعض الآخر ربما يهرب من الحديث، لكنني لم أستسلم، وبقليل من الحنو يشعرون أنني أريد فقط خدمتهم».



ويتابع «من أصعب الحالات التي مرت عليّ كانت لرجل في العقد الخامس من عمره، يعيش في الشارع منذ سنوات، ولم يقم بحلاقة شعره منذ 8 سنوات، في البداية كان رافضاً، لكنه شعر أنني أريد له الخير فوافق، وكان من أكثر الأشخاص الذين أثروا بي، فقد تعرض للخيانة من أقرب الناس إليه، وهذا ما فهمته من كلماته القليلة».



انتشرت مبادرة أدهم على وسائل التواصل الاجتماعي وتواصل معه عدد من الحلاقين على مستوى الجمهورية لتنفيذ فكرته في كل المحافظات المصرية، وعن ذلك يقول: «الفكرة جاءت لخدمة المُشردين الذين أتمنى ألا يتوقف الأمر على تهذيب شعرهم، لكن أتمنى أن يكون هناك دعم نفسي واجتماعي لكل مُشرد في مصر، وليس ذلك فحسب بل أتمنى أن يقوم كل صاحب حرفة سباك أو كهربائي وخلافه بمُساعدة الناس في محيطهم، وتخصيص جزء من وقتهم للخدمة المجانية لأهل المنطقة التي يعيشون بها، وتلك أبهى معاني التكافل الاجتماعي من وجهة نظري».



يعتمد أدهم تعقيم أدوات الحلاقة يومياً، إضافة لاستخدام أدوات تُستخدم مرة واحدة لكل مُشرد يقوم بالحلاقة له، فهذا أقل واجب يقدمه لهم كما يقول في حديثه مع الرؤية.



ويختم «أول مرة نزلت إلى الشارع لم أكن أستخدم الكمامة أو القفاز لحماية نفسي خوفاً أن يعتقد الشخص الذي أقوم بالحلاقة له بأنني خائف منه، أو أن به خطب ما يجعلني أخاف منه، لكن بعد ذلك استخدمت وسائل الحماية خوفاً عليهم لا على نفسي، ولا أدعي أنها مثالية زائدة ربما لأنني وجدت أن نفوسهم ليست في حاجة لمزيد من الكسر فلم ألتزم بالإجراءات الاحترازية، وبالنسبة لأدوات الحلاقة أقوم بتعقيمها يومياً عقب كل استخدام، وتلك طبيعتي مع الجميع وليس معهم فقط».