الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

Maid.. دراما «السهل الممتنع»!

Maid.. دراما «السهل الممتنع»!

للوهلة – أو الحلقة - الأولى يبدو مسلسلMaid أو «الخادمة» كأوبرا صابون نسائية ميلودرامية، من نوعية أفلام الثلاثينيات أو مسلسلات الثمانينيات التي تتناول شقاء ربات البيوت المعنفات اللواتي يهربن من سجن الزوجية ويبحثن عن الاستقلالية والذاتية وإعادة اكتشاف أنفسهن.

ولكن ما إن تبدأ في متابعة حلقاته حتى يسحبك معه في نهر من المشاعر وفيض من التعاطف ليس فقط مع محنة بطلته، ولكن مع الملايين من أمثالها.

ومع اقتراب حلقاته العشر من الانتهاء تجد نفسك عالقاً في حب شخصياته، غير راغب في مفارقتهم، أما التعاطف فيتحول إلى طاقة إيجابية وأمل في قدرة الإنسان على تغيير واقعه.

المسلسل مقتبس من قصة حقيقية سجلتها صاحبتها، واسمها ستيفاني لاند، في مذكرات أدبية بعنوان "خادمة، عمل شاق، أجر ضعيف ورغبة أم في النجاة " Maid, Hard Work, Low Pay and a Mother’s Will to Survive صدرت 2019 وحققت مبيعات وإشادات نقدية هائلتين.

وسرعان ما قررت منصة «نتفليكس» استغلال هذا النجاح بإنتاج مسلسل عنه أشرفت على كتابته مولي سميث ميتزير، وشارك في إخراجه 5 مخرجين على رأسهم جون ويلز الذي أخرج 5 حلقات من العشر.

في مقدمة تتصدر مذكرات ستيفاني لاند كتبت الناشطة والكاتبة السياسية باربرا إيرينرايش: "مرحباً بكم في عالم ستيفاني لاند. ثمن التذكرة يتطلب منك أن تنبذ أي أفكار نمطية عن خادمات البيوت، عن الأمهات العازبات، وعن صور الفقر التي تراها في وسائل الإعلام."

ينطبق هذا الكلام على مسلسل «الخادمة» أيضاً، الذي قد يصدم المشاهد بواقع ربما يمر أمام عينيه يومياً، ولكنه لا يتوقف ليراه جيداً.

بطلة العمل فتاة أمريكية بيضاء، جميلة، تزوجت مبكراً من شاب أحبته وعاشت معه في مقطورة، مثل الكثيرين ممن لا يمتلكون إيجار شقة في أمريكا (هؤلاء الذين صنع عنهم فيلم «نوماد لاند» الذي حصد جوائز الأوسكار العام الماضي).

ذات يوم تقرر الفتاة، واسمها أليكس، أن تحمل ابنتها وتهرب من بيت الزوجية بسبب إدمان زوجها الشاب وعصبيته الشديدة التي تدفعه أحياناً إلى السب واللعن وتحطيم الجدران.

لكن أليكس تكتشف أن الخروج من السجن ليس سهلاً وأن هناك رحلة طويلة قاسية تنتظرها في الخارج. من دون خبرة أو شهادة علمية لا تجد عملاً مناسباً إلا كخادمة بالساعة.

وبين متاعب العمل وقضايا حضانة طفلتها في المحاكم وأمها الفنانة الفاشلة، شبه المجنونة، وأبيها غريب الأطوار، الذي تكتشف أنه كان يعنف أمها، وأن أمها هربت بها كما تفعل هي مع ابنتها.. تتعرض أليكس لكل أنواع الضغوط والمتاعب، وتتعلم كيف تقاوم مهما كانت الأمور سيئة.

أجمل ما في مسلسل «الخادمة» أنه لا يحاول أن يثير شفقتك، على الرغم من أن المعاناة التي تعصف بحياة بطلتيه، الابنة وأمها، يمكن أن تكون مادة مغرية لإثارة الدموع والشهقات. وهو يروى من خلال عين وصوت بطلته التي تقرأ فقرات من المذكرات الأصلية بنبرة محايدة وساخرة بعض الشيء، وذات حس أدبي واضح.

أجمل ما في المسلسل أيضاً هو أداء بطلتيه النجمة الصاعدة مارجريت كوالي في دور أليكس والنجمة المخضرمة آندي ماكدويل في دور أمها.

والطريف أن مارجريت هي ابنة ماكدويل في الحقيقة، والكيمياء بينهما في المسلسل طبيعية، فهما لا تحتاجان إلى ادعاء القرابة والقرب، وغالباً ستكتسح كل منهما موسم الجوائز القادم.

وبجانب الاثنتين جاء اختيار الممثلين موفقاً، حيث قدموا أداء طبيعياً ومؤثراً مثل نيك روبنسون في دور الزوج المدمن، وبيلي بيرك في دور الأب الذي يخفي خلف تدينه وطيبته ذكورية عنيفة مستبدة.

كذلك تلمع أنيكا نوني روز في دور المحامية الثرية ريجينا، التي تعامل أليكس بجفاء شديد، قبل أن تبدأ في تفهم ظروفها والتعاطف معها ثم تتحول إلى صديقتها التي تسعى لمساعدتها.

بجانب متعة المشاهدة والتجربة الإنسانية الثرية التي يوفرها المسلسل، فهو يثير أيضاً قضايا اجتماعية حيوية حول العنف المنزلي وإساءة المعاملة في أماكن العمل والظروف الاقتصادية السيئة التي يعانيها كثير من الفقراء، خاصة النساء، في أمريكا.

ويعرض المسلسل بشكل سلس وغير مباشر أنواع سوء المعاملة التي تتعرض لها النساء من الاعتداء الجسدي وحتى دعم المعتدين بالدفاع عنهم وتبرير أفعالهم، مروراً بالصراخ وخبط الحوائط والشتائم والإهانات، واستخدام المال، إذا كانت المرأة تعتمد بالكامل مادياً على الرجل إلى الابتزاز العاطفي، الذي تتعرض له البطلة أيضاً من قبل والد ابنتها، والشاب الذي أحبها وساعدها ولكنه يتخلى عنها ويطردها عندما لا تقبل حبه.

«الخادمة» ببساطة عمل ينطبق عليه وصف «السهل الممتنع!