الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الكذب بين تحذيرات أبي العتاهية وتبريرات شيكسبير ومأساة الشناوي وشروط شوقي

يشكل الكذب إحدى الخطايا الأساسية للإنسان، ويقول المثل العربي «حبل الكذب قصير» ودوماً شكل الكذب إغراء للأدباء والشعراء بين من يُدينه ومن يجعله أشبه بالتجمل وبين من يلتمس للبعض منا العذر في اللجوء إليه، ومن يلونه بين أسود وأبيض.

وكان للمرأة النصيب الأكبر في نظرة الشعراء التي لا تخلو من العنصرية والتي ألصقت تلك النقيصة بها وجعلوها عندها فضيلة أساسية مع أن الرجل في الحقيقة وبإثبات العلم يكذب أكثر من المرأة.

والحقيقة أن سحر الشعر يكمن في أن الشعراء يقولون ما لا يفعلون، بل ما يستلهمونه أو يتخيلونه أو يودون أن يفعلوه ولكنهم لا يستطيعون، وغدت مواعيد عرقوب مثلاً في الأدب العربي حول الكذب وعدم الالتزام بالحقيقة.

ولا تكمن مأساة الكذاب في أن أحداً لا يصدقه، وإنما في أنه لا يصدق أحداً!

ويحذرنا أبوالعتاهية من الانخداع ببراعة الكاذب وأساليبه وإجادته التمثيل والخداع:

إياك من كذب الكذوب وإفكه

فلرُبما مزَج اليقينَ بشكّهِ

ولرُبما كذب امرؤٌ بكلامه

وبصمته وبكائه وبضحكه

ولربما ضحك الكذوب تكلّفاً

وبكى من الشيء الذي لم يُبـكِهِ





بينما يكشف الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة حقيقة الرجل والمرأة من وجهة نظره، عندما يقول:

«تكره الأنثى الكذب ويكره الرجل الخيانه، كلاهما يكره ما يتقنه جيداً».



بينما يطالبنا المنتصر بن بلال بالصدق، ويشبه حديثنا بالثياب:

تحدث بصدق إن تحدثت وليكن * لكل حديث من حديثك حين

فما القول إلا كالثياب، فبعضها * عليك، وبعض في التخوت مصون



أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيشترط ربط الصدق بالسلوكيات:

والمرء ليس بصادق في قوله * حتى يؤيد قوله بفعاله





ولعل أشهر القصائد التي تتحدث عن الكذب والخيانة هي «لا تكذبي» لكامل الشناوي عندما فضح غدر محبوبته:

لا تكذبي إني رأيتكما معا

ودعي البكاء فقد كرهت الأدمعا

ما أهون الدمع الجسور إذا جرى

من عين كاذبة فأنكر وادعى

وينبهنا الفيلسوف الصيني لاوتزو إلى أن التأنق في الكلام لا يعني بالضروة أننا لا نكذب:

الكلمات الصادقة ليست جميلة، والكلمات الجميلة ليست دائماً صادقة.





من جانبه، يرى المهاتما غاندي أن الكذب رغم قوته وبراعته وسطوته لا يمحو ضوء الحقيقة: «في غمرة الموت تستمر الحياة.. في غمرة الكذب تستمر الحقيقة.. في غمرة الظلام يستمر الضوء» يؤكد أن «الصادق لا يحلف، والواثق لا يبرر، والمخلص لا يندم، والكريم لا يمنّ، والمحبّ لا يملّ».





ومثله أيضاً يتساءل شيكسبير: «إذا كنت صادقاً فلماذا تحلف؟».

ولكن مع ذلك يلتمس الأديب الإنجليزي العذر لمحبوبته «عندما تقسم حبيبتي.. إنها مخلصة جداً لىّ.. فإني أثق.. أصدقها، ولو أني أعرف أنها كاذبة».

في المقابل، لا يهادن الشريف العقيلي ويصف الكاذب بما يستحقه من دون تبريرات أو أعذار:

«لا يكذب المرء إلا من مهانته * أو عادة السوء أو من قلة الأدب».

أما إبراهام لينكولن فهو الذي وضع الحقيقة الإعلامية التي يترسخ وجودها في ظل هجمة سوشيال ميديا: «تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت».

وأخيراً يصدمنا الأديب السويسري ماكس فريش بالواقع وهو أن العيب ربما يكمن فينا «أفضل الخدع وأسلمها هي الحقيقة البحتة، فلا أحد يصدقها».