الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

عبدالحليم عجم: الإنشاد في دمشق طقس اجتماعي.. والمدرسة السورية تميل للموشحات الأندلسية

المدرسة المصرية في الإنشاد تميل للارتجال والفصحى الصريحة بدون لهجات

الشتات السوري ساهم في تطوير فن الإنشاد وانتشاره

حب المصريين لآل البيت ولسوريا ساعد المنشدين السوريين على الانتشار

الإنشاد يحتاج للدعم.. وهناك موهوبون كثر لا يجدون من ينتج لهم

تفتح «الرؤية» عبر سلسلة من الحوارات المدعمة بالفيديوهات والصور التي يتم الكشف عن بعضها إعلامياً للمرة الأولى، ملف صناعة الإنشاد، كواليسها، خصوصيتها، وأبرز أساتذتها، عبر لقاءات مع نخبة من المنشدين العرب والمحليين:

غادر «غوطة دمشق» في 2012، هرباً من الحرب الدائرة التي يدفع ثمنها الشعب السوري، على أمل عودة قريبة لم تتحقق حتى الآن، فأسس فرقته للإنشاد، واستقبله المصريون بالترحاب ليصبح واحداً من أهم الأسماء الموجودة على ساحة الإنشاد.

»الرؤية» حاورت المنشد السوري عبدالحليم عجم، حيث حدد الفرق بين مدرسة الإنشاد السورية والمصرية، وكيف تأثرت مدرسة الإنشاد السوري بالشتات.





كيف كانت بداياتك في الإنشاد؟

بدأت الإنشاد في سن صغيرة للغاية، فأنا منذ الصغر أسمع الإنشاد في إذاعة دمشق بصورة يومية، خاصة في شهر رمضان حيث كان والدي حريصاً على الاستماع له في وقت السحور، وحتى عندما بدأت العمل وأنا طفل صغير في مهنة الحفر على الخشب، حيث تمتهن العائلة صناعة الأثاث كنت أستمع للإنشاد في الإذاعة، ولكن لم يكن يدور في خلدي أنني سأكون منشداً.

كل ما أعرفه أن صوتي جميل، ولكن لأن الأذن هي ميزان الصوت حين بدأت الغناء كان الإنشاد هو أول ما أقوله، وظل الحال هكذا أنشد للعائلة أو في مناسبات الجيران، حتى توفي جدي، رحمه الله، وفي سوريا العزاء يكون 3 أيام، يومان منها لتلاوة القرآن على روح المتوفى، والثالث يسمى التهليلة حيث ينشد القراء والمعزون.

وفي هذا اليوم قال أشقاء والدتي للمنشد والمقرئ عبدالجواد منير إن صوتي جميل، فاستمع إلى إنشادي وضمني للفرقة رغم صغر سني فقد كنت في الـ13 من عمري فقط، وبعدها انتقلت لعدة فرق لأنني كنت مهتماً بالإنشاد أكثر، بينما كان مسؤول الفرقة مهتماً أكثر بالتلاوة لأنه قارئ ومنشد في الوقت نفسه.

التحقت بعدة دورات للموسيقى في عدد من المعاهد الموسيقية، وتعلمت المقامات وغيرها من علوم الموسيقى بالإضافة إلى تعلم العزف على العود، بعدها أسست فرقتي التي لاقت انتشاراً في سوريا، إلا أن ظروف الحرب أجبرتني على تركها في أواخر عام 2012 والانتقال إلى القاهرة.

انتظرت فترة على اعتقاد أن الأمور ستهدأ في سوريا، وحين طال أمد الحرب، أعدت تأسيس الفرقة في مصر، والحقيقة أن الشعب المصري استقبلني والفرقة بالترحاب.





برأيك هل هناك اختلاف بين مدرسة الإنشاد السورية والمصرية؟

المدرستان بينهما تناغم كبير، رغم بعض الاختلافات وهو ما جعل المنشدين السوريين يحققون نجاحاً في مصر، ولكن مدرسة الإنشاد المصري تعتمد أكثر على الارتجال، بالإضافة إلى أن المستمع المصري يميل إما إلى الإنشاد باللغة العربية الفصحى بدون لهجات، أو اللغة العامية اعتماداً على أن العالم العربي من المحيط للخليج يعرف العامية المصرية ويفهمها، بينما تميل المدرسة السورية أكثر للموشحات الأندلسية التي يمكن فهمها بسهولة في سوريا.

ويمكن القول إن طبيعة الموالد في مصر والتي تعد البيئة الأكثر خصوبة للإنشاد في مصر أثرت عليه حتى في اللحن، فالإنشاد في مصر يعتمد على الألحان الخفيفة كالطقطوقة ليسهل ترديدها، بينما مدرسة الإنشاد السورية معقدة أكثر في ألحانها لأن أغلبها من الموشحات الأندلسية كما أن الإنشاد في سوريا طقس اجتماعي.





ماذا تعني بأن الإنشاد في سوريا طقس اجتماعي؟

الإنشاد يدخل في سوريا في كافة المناسبات، حيث ننشد في حفلات الزفاف، وفي افتتاح المحال والمشاريع الجديدة، وفي المأتم، وبالتالي فإن الإنشاد منتشر في سوريا كطقس اجتماعي أكثر من مصر التي يقتصر الإنشاد فيها على المناسبات الدينية في الأغلب، وهو ما يجعل كافة القصائد والألحان على صعوبتها سهلة للمتلقي والمنشد، ولكن المنشدين المصريين أكثر انتشاراً بسبب انتشار الفن المصري منذ الخمسينات في الوطن العربي بالكامل.





بناء على تجربتك في القاهرة، كيف أثر الشتات السوري على المدرسة الشامية في الإنشاد؟

بالطبع هناك تأثير كبير، فالمنشد السوري في مصر أو في تركيا أو في أي دولة أخرى يتأثر باللهجة ومدرسة الإنشاد الموجودة في الدولة التي يعيش بها، فلا يمكن أن أنشد في حفلة لجمهور مصري بدون أن أقدم إنشاداً باللهجة المصرية، أو ابتهالاً مصرياً، وأعتقد أن الشتات أثر بالإيجاب على فن الإنشاد لأنه يساعد على تطويره وانتشاره في الوقت ذاته.





هل وجدت صعوبة في الانتشار في مصر؟

بالعكس، الشعب المصري شعب محب لآل البيت والإنشاد، ومحب للسوريين في الوقت نفسه، ورغم أن بداية حفلاتي في مصر كانت للسوريين، إلا أن لي جمهوراً الآن من الشعب المصري، وأحيي العديد من الحفلات للمصريين، كما أن مجتمع الإنشاد نفسه استقبلني بصورة جيدة، وشاركت في إحياء حفلات مع أهم المنشدين المصريين، منهم الشيخ محمود التهامي، وقدمت حفلات في الأوبرا المصرية، كما استضافني الإعلام المصري مرات عدة.





ماذا يحتاج الإنشاد في مصر؟ ولماذا لم يظهر منشدون في نفس شهرة ومكانة كبار المنشدين مثل النقشبندي؟

الفن عموماً والإنشاد بصورة خاصة في مصر أو أي دولة أخرى يحتاج إلى الدعم والإنتاج، فأنا أنتج لنفسي وبالطبع لدي إمكانات محدودة مهما بلغت مكاسبي، ولكن إذا نظرنا مثلاً لسامي يوسف أو ماهر زين اللذين حققا العالمية في الإنشاد بسبب وجود الداعم أو الراعي، وكذلك الشيخ مشاري العفاسي الذي استطاع الانتشار بالإنشاد لأن لديه القدرة على دعم نفسه والإنتاج لنفسه، وأعتقد أن هناك دعماً لكان لدينا مئات من المنشدين مثل الشيخ النقشبندي وهذا ليس انتقاصاً من موهبته وقيمته، فهو من أعظم المنشدين ولكن الظرف الذي ظهر فيه حظي فيه بدعم من الدولة التي كانت مهتمة بإنتاج هذا النوع من الفن، فظهرت موهبته التي فرضت نفسها على الساحة ولو لم يكن موهوباً لما حظي بالانتشار، ولكن هناك الآلاف من الموهوبين الذين لا يحظون بالدعم ولا يستطيعون الإنتاج لأنفسهم.





بالعودة لسوريا، في مصر العديد من المنشدات من النساء، فهل هناك قبول في سوريا لإنشاد النساء؟

هناك العديد من المنشدات في سوريا، ولكن لا يظهرن في الحفلات العامة، وإنما في حفلات خاصة للنساء، فالأفراح والمناسبات الاجتماعية في سوريا ليست مختلطة، حيث يكون الرجال بقاعة والنساء بقاعة أخرى، ولذلك تنشد السيدات في قاعات النساء فقط، ولا ينشدن في الحفلات العامة.





هل يمثل إقبال الجالية السورية على حفلات المنشدين السوريين حنيناً للوطن؟

بالطبع، فإحياء الحفلات والمناسبات الاجتماعية بطابعها الشامي من إنشاد وغيره مثل فرق العراضة وهي فرق تقوم بتنظيم «الزفة» حيث يصطف عدد من الشباب يلقون أبياتاً تراثية على أنغام الإيقاع العالي، يشعر السوري بأنه عاد إلى بلده مرة أخرى، ومن ضمن ما أقدمه في الحفلات السورية أناشيد عن الوطن والأهل كنوع من حنين الجميع للعودة إلى الوطن بعد انتهاء أزمة الحرب.