الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كتاب ومثقفون: الأقلام العربية قادرة على إنجاز رواية «كورونا» لكن التسرع «يورط» إبداعياً

قال مثقفون وكتاب إن الوطن العربي يمتلك الأقلام الأدبية القادرة على استلهام وتجسيد واقع أزمة كورونا حول العالم أدبياً، لكنهم انقسموا حول إمكانية أن يكون حان الوقت لكتابة عمل روائي يجسد أزمة «كوفيد-19» من عدمه.

وأكد البعض أن من يكتب الآن عن الجائحة سيكون متورطاً إبداعياً خاصة أن الأزمة لم تتضح معالمها كافة بعد، بينما أشار آخرون إلى أن الإبداع لا وقت له، خاصة أن الراوية عمل أدبي يمكن أن يروي في ثناياه تاريخ الشعوب وليس مادة تاريخية جامدة فاقدة للروح.

تخطي الحدود المحلية

قال الأمين العام لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات الدكتور محمد حمدان بن جرش إن «الكثير من النصوص الأدبية تتجاوز ذاتية الكاتب وعوالمه الداخلية لتكون نافذة يطل معها القراء إلى عالم أوسع، حيث نتعرف إلى حياة شعوب أخرى في مراحل مختلفة من تاريخها، وتعطينا فكرة عن حياة تلك الشعوب، وعن قيمتها، وعاداتها، وأنماط حياتها اليومية، وهي بذلك تقربنا من مجتمعات لم نكن نعرف عنها سوى بعض المعلومات الجافة ذات الطابع التوثيقي المحض».

وأضاف أن «الأدب الذي يروي في ثناياه تاريخ الشعوب هو ليس مادة تاريخية جامدة فاقدة للروح، وإنما هو روح ذلك التاريخ، فلكل شعب من الشعوب خصائص تميزه عن بقية الشعوب، وهي التي تمنحه هويته الخاصة، وربما يكون الأدب هو من أهم الأشكال التي تكفلت لنا بنقل تلك الروح وتلك الهوية بأمانة تفوق أمانة الوصف التاريخي المجرد».

وأوضح بن جرش أنه لهذا فعندما يتم الوقوف أمام أمثلة أدبية تسنى لها أن تتحول إلى نقاط فارقة في تاريخ الأدب فإننا سنجد أنفسنا، بشكل أو بآخر، أمام مرآة عاكسة لحيوات الشعوب التي تتحدث عنها تلك الأمثلة، فقد بات معروفاً أن عالمية الأدب لا تتناقض مع مفهوم المحلية، بل ربما هي على صلة وثيقة بهذا المفهوم على المستوى الأدبي، إذ إن الكثير من الأعمال الروائية المهمة هي أعمال تتحدث عن بيئات محلية صرفة، لكنها تمكنت من ملامسة وجدان القارئ الذي ينتمي إلى بيئات أخرى، وأثرت فيه، وأغنت معرفته بالعالم، ونقلت إليه خبرات وتجارب شعوب تبعد عنه أحياناً عشرات الآلاف من الأميال.

وأكد أنه لا يكفي تعاطي الكاتب مع قضية محلية ليكون نصه الأدبي قادراً على تكوين ذلك الجسر المطلوب بين ذاكرة الشعب والقارئ، فالنص الأدبي هو أولاً وأخيراً عمل إبداعي، أي أن الإبداع فيه هو الأساس، لذلك فإن التصدي لسرد ذاكرة الشعب، أدبياً وجمالياً، يتطلب من المبدع تطوير أدواته، لتكون على المستوى الذي يليق بذاكرة شعبه، وليكون قادراً على ملامسة الآخر، ما يجعل نصه الأدبي عملاً إبداعيًا مهماً، ووثيقة متعددة الأبعاد والفضاءات لذاكرة الشعب في الآن نفسه، منوهاً أنه شرع في كتابة نص روائي ألهمته به جائحة كورونا.

أمر شائك وصعب

وترى الكاتبة باسمة يونس أن الكتابة لا تكون جيدة إن لم تكن نابعة من فكرة جيدة، والكتابة في المناسبات أمر شائك وصعب، لأن بعض الكتابات تفرض على نفسها التزامات حول كيفية توثيق الحدث. وهذه الالتزامات تقف أحياناً عائقاً في وجه الإبداع وحرية الخيال التي تحول الفكرة إلى نص يستحق القراءة. ولكن على الجانب الآخر، البعض يعرفون كيف يمكنهم الاستفادة من الواقع وكتابته بطريقة تجعله أكثر تماهياً مع الخيال ومع الإبداع المطلوبين لإنتاج رواية جيدة.

وأضافت أن «كل الأوقات تصلح للكتابة ولكن هناك كاتب يعرف كيف يستفيد من المناسبات والأحداث عن طريق توليفة أدبية وقصة مشوقة مليئة بالمشاعر والتفاعلات وتتضمن الحدث بدون أن يجعل كتابته مجرد توثيق خالٍ من الابتكار أو تسجيل لما يحدث لمجرد التسجيل، وهناك كاتب كل ما يريده أن يضع نفسه في قائمة من حضروا الحدث وتواجدوا فيه وأنتجوا منه كتاباً فقط، وهذا العمل لا يصلح لإنتاج روائي إبداعي خالد».

عامل الوقت

وأوضحت الكاتبة لطيفة الحاج أن الإبداع في الكتابة لا يعترف بالوقت، فهناك أعمال أدبية ظهرت خلال 30 يوماً من بداية انتشار جائحة كورونا، نجح كتابها في تقديم تجربة أدبية قائمة على الخيال وتوقع ما هو قادم، وحتى إن كانت توقعاتهم غير صحيحة، فالإبداع قائم على الخيال ولا أحد يلومهم على خطأ توقعاتهم».

وأكدت أن هذه الأزمة فجرت الإبداع عند الكتاب أنفسهم، خاصة أنها أتاحت لهم الوقت لتجميع أفكارهم، ولا يمكن الحكم على مدى نجاح ما يكتب في هذه الفترة من إنتاجات أدبية، بالإيجاب أو السلب واتهامه باستعجالية، فربما كلما تقدم الزمن تكون الكتابة أصعب، خاصة أن الجميع الآن يعرفون كل شيء عبر الإنترنت.

تورط إبداعي

وأوضح الكاتب والناشر محمد مندور أنه من الطبيعي أن تغري أزمة كورونا الكتاب للتطرق لها، لكنها في الوقت ذاته من أخطر الإخفاقات التي يمكن أن يقع بها الكاتب، خاصة أن الأزمة مازالت معالمها غير واضحة حتى الآن في بعض دول المنطقة العربية، وأن أي كتابة أدبية تتطرق للجائحة ستكون مجرد الإشارة لها بشكل غير متعمق، ويمكن وصف من يقدم على هذه الخطوة بأنه تورط إبداعياً.

وأضاف أنه «يؤمن أن الكتابة الحقيقية عن الجائحة تحتاج إلى ما لا يقل عن 10 سنوات حتى تكون الفكرة للكاتب تبلورت بشكلها المتكامل، لافتاً إلى أن دور النشر تتوقع ظهور أعمال روائية عدة تتناول الجائحة في هذه الأيام، ولكن هذا لا يعني أن الساحة الأدبية ستشهد فرعاً من الأدب يعرف بأدب كورونا، فتاريخ الإنتاجات الأدبية لم يشهد من قبل أدب الطاعون أو الكوليرا، ولكن يحفل بأعمال ناجحة لامست العقول والقلوب بتقديم أعمال فرادى حملت علامة التمييز وكتب لها الاستمرار».

تنافس على الجوائز

وأكد الكاتب صلاح عبدالواحد أنه مثلما تناولت الآداب القديمة وحتى الحديثة بعض الأوبئة والكوارث سيتم تناول كورونا أدبياً، لكن سينجح من هذه الإنتاجات الروائية هي تلك التي ستركز على السلوك الإنساني أمام هذا الوباء على المستوى الفردي والجماعي، المستوى المحلي والدولي، لذلك نتوقع إثراءات أدبية ذات مضمون إنساني يدافع عن قيم إنسانية سامية.

ويرفض عبدالواحد كتابة بعض الأعمال الأدبية التي يكون الهدف منها فقط البحث عن الجوائز المحلية أو الإقليمية، خاصة أن الكاتب العربي كسائر أدباء العالم مطالب اليوم أن يكتب ولا يتوقف، لكن لا يشترط أن يرتبط ما يكتبه بكورونا ولكن عليه أن يكتب بصدق وبخيال متجدد وأن يغوص في عمق مضامين حكاياته كي ينتج فكراً ويدافع عن قيم إنسانية مشتركة.

عمادها الواقع

وأوضحت الدكتورة مريم الهاشمي أنه "طالما عوملت الرواية باعتبارها استراحة للنفوس، ومنذ ولادتها ظلت المخيلة مهيمنة بقوة، إما لكي تستحضر الأزمنة الغابرة أو لتجعل الشخوص المبنية وفقا لمتطلبات المرافعة تتصادم كما لو كانت حججا، ليواصل الروائي الاختراع فأصبح يبتكر لكل عمل خطة وحبكة لتظل الحياة اليومية توفرها له باستمرار. إذن هو الواقع بطبيعة الحال ما يغذي العمل الروائي، فلم تعد المخيلة هي الخاصية الرئيسة للروائي؛ وإنما الحس الواقعي".

وتابعت: لا يمكن لعاقل أن يفصل الواقع عن الهدف الأساس من الإبداع وخاصة الإبداع الأدبي، فالأدب والنقد متلازمان في طبيعة تعاطي الواقع لذا نجد النقد يتحول بناءً على الأدب، فمثلا نجد "النقد المعرفي" وهو محاولة لإجراء حوار بين الدراسات الأدبية وعلوم الذهن لتنخرط فيه أقسام علم النفس واللغويات وأبحاث الذكاء الاصطناعي وعلوم النفس المعرفية، ومع الواقع الآني يمكن إدراج العلوم الطبية فيه كذلك.

وأضافت الهاشمي أن "النقد البيئي الذي يُعنى بالتفاعل بين الإنسان والطبيعة؛ بمعنى الحيوان والنبات والمنظر الطبيعي والموارد الطبيعية، لتحلل أعمالا تثير قضايا أخلاقية ومعنوية، واليوم ما أحوجنا إلى هذا المدرسة بعد أن وجدنا رجوع الإنسان –خلال الجائحة – إلى الطبيعة بشكل أكبر، ومن يذهب في تعاطي هذا النوع من الفن سواء العمل الروائي أو النقدي يجب عليه أن يتمتع بكفاءة معرفية، وأدوات كتابية تؤهله لنقل الخبرة عبر الشخوص والشخصيات والأحداث إن كان العمل روائيا، مع حضور الحس الواقعي الذي يمس المتلقي بالدرجة الأكبر ويؤثر فيه؛ بل ويتفاعل معه كونه جزءاً لا يتجزأ من زوايا الإبداع، وذات الأمر هو بالنسبة للأعمال النقدية التي تتطلب معرفة أكبر من معرفة الروائي ليستطيع بتلك الكفاءة أن يقرأ النص قراءة واعية ويعطيها الحق الموضوعي من الدراسة".

وأكدت الهاشمي أن الفن خاصة الروائي يعد المحرر والمنقذ، الذي يحررنا من ثقل الواقع مع تمكنه من الحس الواقعي في الوقت ذاته، لما يحمله من تكتيكات مظهرية وجوهرية تعملان في آن واحد من أجل تلك الحرية. فالإنسان كائن حالم، وكل منا يضع تصوراً شبيهاً بالسيناريو السنيمائي لمقبل أيامه، وهذه الأحلام تدفع الذات لحب الحياة، ولولاها لسقطنا في دوامة اليأس وابتلعتنا وحشة الحياة واليوم، وبفعل الترقب البشري، نحن مرغمون على التشبث بالقيم، كما نجد في عزلة الذوات فرصة للفكر والبحث عما كان يختلج النفس من فراغٍ كان تتناوبه نوباته المتكررة بين الحين والحين، بحثا عن مخرجه وملاذه الحقيقي.